العصور إلاّ في ضروريّات الدين ، مثل وجوب الصلاة ، والزكاة ، ونحوهما. وهذه ضروريّات الدين ليست من نوع الإجماع المبحوث عنه. ولا نحتاج في إثبات الحكم بها إلى القول بحجّيّة الإجماع.

وأمّا مسلك العقل الذي عبّر عنه بعضهم (١) بالطريق المعنويّ ـ : فغاية ما يقال في توجيهه أنّ الصحابة إذا قضوا بقضيّة ، وزعموا أنّهم قاطعون بها فلا يقطعون بها إلاّ عن مستند قاطع ، وإذا كثروا كثرة تنتهي إلى حدّ التواتر فالعادة تحيل عليهم قصد الكذب ، وتحيل عليهم الغلط. فقطعهم في غير محلّ القطع محال في العادة. والتابعون وتابعو التابعين إذا قطعوا بما قطع به الصحابة ، فيستحيل في العادة أن يشذّ عن جميعهم الحقّ مع كثرتهم. (٢)

ومثل هذا الدليل يصحّ أن يناقش فيه بأنّ إجماعهم هذا إن كان يعلم بسببه قول المعصوم فلا شكّ في أنّ هذا علم قطعيّ بالحكم الواقعيّ ، فيكون حجّة ؛ لأنّه قطع بالسنّة ، ولا كلام لأحد فيه ؛ لأنّ هذا الإجماع يكون من طرق إثبات السنّة.

وأمّا : إذا لم يعلم بسببه قول المعصوم ـ كما هو المقصود من فرض الإجماع حجّة مستقلّة ، ودليلا في مقابل الكتاب والسنّة ـ فإنّ قطع المجمعين ـ مهما كانوا ـ لئن كان يستحيل في العادة قصدهم الكذب في ادّعاء القطع ، كما في الخبر المتواتر ، فإنّه لا يستحيل في حقّهم الغفلة ، أو الاشتباه ، أو الغلط ، كما لا يستحيل أن يكون إجماعهم بدافع العادة ، أو العقيدة ، أو أيّ دافع من الدوافع الأخرى التي أشرنا إليها سابقا.

ولأجل ذلك اشترطنا في التواتر الموجب للعلم ألاّ يتطرّق إليه احتمال خطأ المخبرين في فهم الحادثة ، واشتباههم ، كما شرحناه في كتاب المنطق. (٣)

ولا عجب في تطرّق احتمال الخطأ في اتّفاق الناس على رأي ، بل تطرّق الاحتمال إلى ذلك أكثر من تطرّقه إلى الاتّفاق في النقل ؛ لأنّ أسباب الاشتباه والغلط فيه أكثر.

ثمّ إنّ هذا الطريق العقليّ أو المعنويّ لو تمّ فأيّ شيء يخصّصه بخصوص الصحابة ،

__________________

(١) وهو الغزاليّ في المستصفى ١ : ١٧٩.

(٢) انتهى ملخّص ما قال الغزاليّ في توجيهه.

(٣) المنطق ٣ : ٢٨٤.

۶۸۸۱