ونحن ـ بحمد الله (تعالى) ـ نرى أنّ الشبهة يمكن دفعها على تقدير الطريقيّة ، فلا حاجة إلى فرض السببيّة.

والوجه في دفع الشبهة أنّه بعد أن فرضنا أنّ القطع قام على أنّ الأمارة الكذائيّة ، كخبر الواحد حجّة يجوز اتّباعها مع التمكّن من تحصيل العلم ، فلا بدّ أن يكون الإذن من الشارع ـ العالم بالحقائق الواقعيّة ـ لأمر علم به ، وغاب عنّا علمه. ولا يخرج هذا الأمر عن أحد شيئين ، لا ثالث لهما ، وكلّ منهما جائز عقلا ، لا مانع منه :

١. أن يكون قد علم بأنّ إصابة الأمارة للواقع مساوية لإصابة العلوم التي تتّفق للمكلّفين ، أو أكثر منها ، بمعنى أنّ العلوم التي يتمكّن المكلّفون من تحصيلها يعلم الشارع بأنّ خطأها سيكون مساويا لخطأ الأمارة المجعولة ، أو أكثر خطأ منها.

٢. أن يكون قد علم بأنّ في عدم جعل أمارات خاصّة لتحصيل الأحكام ، والاقتصار على العلم ، تضييقا على المكلّفين ومشقّة عليهم ، (١) لا سيّما بعد أن كانت تلك الأمارات قد اعتادوا سلوكها والأخذ بها في شئونهم الخاصّة وأمورهم الدنيويّة ، وبناء العقلاء كلّهم كان عليها.

وهذا الاحتمال الثاني قريب إلى التصديق جدّا ؛ فإنّه لا نشكّ في أنّ تكليف كلّ واحد من الناس بالرجوع إلى المعصوم أو الأخبار المتواترة في تحصيل جميع الأحكام أمر ، فيه ما لا يوصف من الضيق والمشقّة ، لا سيّما أنّ ذلك على خلاف ما جرت عليه طريقتهم في معرفة ما يتعلّق بشئونهم الدنيويّة.

وعليه ، فمن القريب ـ جدّا ـ أنّ الشارع إنّما رخّص في اتّباع الأمارات الخاصّة لغرض تسهيل الأخذ بأحكامه ، والوصول إليها. ومصلحة التسهيل من المصالح النوعيّة المتقدّمة في نظر الشارع على المصالح الشخصيّة التي قد تفوت أحيانا على بعض المكلّفين عند العمل بالأمارة لو أخطأت. وهذا أمر معلوم من طريقة الشريعة الإسلاميّة التي بنيت في تشريعها على التيسير والتسهيل. (٢)

__________________

(١) قوله : «تضييقا ...» اسم أنّ ، وقوله : «ومشقّة عليهم» عطف عليه.

(٢) ويدلّ عليه قوله (تعالى) : ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. البقرة (٢) الآية : ١٨٥.

۶۸۸۱