والذي ينبغي أن يقال له : أنّ الاختيار شيء وعموم النزاع في المسألة شيء آخر ، فإنّ اختياركم بأنّ النهي التنزيهيّ والغيريّ لا يقتضيان الفساد ليس معناه اتّفاق الكلّ على ذلك ، حتّى يكون النزاع في المسألة مختصّا بما عداهما ، والمفروض أنّ هناك من يقول بأنّ النهي التنزيهيّ والغيريّ يقتضيان الفساد. فتعميم كلمة «النهي» في العنوان هو الأولى.

٣. الفساد : إنّ الفساد كلمة ظاهرة المعنى ، والمراد منها ما يقابل الصحّة (١) تقابل العدم والملكة على الأصحّ (٢) ، لا تقابل النقيضين ، ولا تقابل الضدّين. وعليه ، فما له قابليّة أن يكون صحيحا يصحّ أن يتّصف بالفساد ، وما ليس له ذلك لا يصحّ وصفه بالفساد.

وصحّة كلّ شيء بحسبه ، فمعنى صحّة العبادة مطابقتها لما هو المأمور به من جهة تمام أجزائها ، وجميع ما هو معتبر فيها (٣) ، ومعنى فسادها عدم مطابقتها له من جهة نقصان فيها. ولازم عدم مطابقتها لما هو مأمور به عدم سقوط الأمر ، وعدم سقوط الأداء والقضاء.

ومعنى صحّة المعاملة مطابقتها لما هو المعتبر فيها من أجزاء وشرائط ونحوها ، ومعنى فسادها عدم مطابقتها لما هو معتبر فيها. ولازم عدم مطابقتها عدم ترتّب أثرها المرغوب فيه عليها من نحو : النقل ، والانتقال في عقد البيع والإجارة ، ومن نحو : العلقة الزوجيّة في عقد النكاح ... وهكذا.

__________________

(١) نسب إلى المشهور أنّ الصحّة هي التماميّة ، والفساد هو النقصان. راجع كفاية الأصول : ٣٩ و ٢٣٠ ؛ نهاية الأفكار ١ : ٧٣.

وقال الشيخ البهائيّ : «[قال] المتكلّمون : صحيح العبادات ما وافق الشرع. والفقهاء : ما أسقط القضاء». زبدة الأصول : ٤٥.

(٢) وهذا مختار أكثر المحقّقين. فراجع كفاية الأصول : ٢١٩ ؛ نهاية الأفكار ١ : ٧٧ ؛ نهاية الأصول : ٢٥٥.

(٣) هذا بناء على اعتبار الأمر في عباديّة العبادة * ، أمّا إذا قلنا بكفاية الرجحان الذاتيّ في عباديّتها إذا قصدها متقرّبا بها إلى الله (تعالى) ـ كما هو الصحيح ـ ، فيكون معنى صحّة العبادة ما هو أعمّ من مطابقتها لما هو مأمور به ومن مطابقتها لما هو راجح ذاتا وإن لم يكن هناك أمر. ـ منه رحمه‌الله ـ. بها إلى الله (تعالى) ـ كما هو الصحيح ـ ، فيكون معنى صحّة العبادة ما هو أعمّ من مطابقتها لما هو مأمور به ومن مطابقتها لما هو راجح ذاتا وإن لم يكن هناك أمر. ـ منه رحمه‌الله ـ.

__________________

* كما ذهب إليه صاحب الجواهر ، فراجع جواهر الكلام ٢ : ٨٨ و ٩ : ١٥٥ ـ ١٥٦.

۶۸۸۱