وقيل بوجوبه فقط ، ولكن يعاقب فاعله (١). وقيل بوجوبه فقط ، ولا يعاقب فاعله (٢). وقيل بحرمته ووجوبه معا (٣). وقيل : لا هذا ولا ذاك ، ومع ذلك يعاقب عليه (٤).

فينبغي أن نبحث عن وجه القول بالحرمة ، وعن وجه القول بالوجوب ؛ ليتّضح الحقّ في المسألة ، وهو القول الأوّل.

أمّا وجه الحرمة : فمبنيّ على أنّ التصرّف بالغصب ، بأيّ نحو من أنحاء التصرّف ـ دخولا ، وبقاء ، وخروجا ـ محرّم من أوّل الأمر قبل الابتلاء بالدخول ، فهو قبل أن يدخل منهيّ عن كلّ تصرّف في المغصوب ، حتّى هذا التصرّف الخروجيّ ؛ لأنّه كان متمكّنا من تركه بترك الدخول.

ومن يقول بعدم حرمته فإنّه يقول به ؛ لأنّه يجد أنّ هذا المقدار من التصرّف مضطرّ إليه ، سواء خرج الغاصب أو بقي ، فيمتنع عليه تركه ، ومع فرض امتناع تركه كيف يبقى على صفة الحرمة؟!

ولكنّا نقول له : إنّ هذا الامتناع هو الذي أوقع نفسه فيه بسوء اختياره ، وكان متمكّنا من تركه بترك الدخول ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهو مخاطب من أوّل الأمر بترك التصرّف حتّى يخرج ، فالخروج في نفسه ـ بما هو تصرّف ـ داخل من أوّل الأمر في أفراد العنوان المنهيّ عنه ، أي إنّ العنوان المنهيّ عنه ـ وهو التصرّف بمال الغير بدون رضاه ـ يسع في عمومه كلّ تصرّف متمكّن من تركه حتّى الخروج ، وامتناع ترك هذا التصرّف بسوء اختياره لا يخرجه عن عموم العنوان. ونحن لا نقول ـ كما سبق (٥) ـ : إنّ المعنون بنفسه هو متعلّق الخطاب ، حتّى يقال لنا : إنّه يمتنع تعلّق الخطاب بالممتنع تركه ، وإن كان الامتناع بسوء الاختيار.

__________________

(١) هذا ما اختاره صاحب الفصول ونسبه إلى الفخر الرازيّ. راجع الفصول الغرويّة : ١٣٨.

(٢) وهذا ما ذهب إليه الشيخ الأنصاريّ ، وقوّاه المحقّق النائينيّ. مطارح الأنظار : ١٥٣ ، فوائد الأصول ٢ : ٤٤٧.

(٣) ذهب إليه المحقّق القميّ وقال : «وهو مذهب أبي هاشم وأكثر أفاضل متأخّرينا ، بل هو ظاهر الفقهاء».

قوانين الأصول ١ : ١٥٣.

(٤) ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٠٤. واختاره تلميذه المحقّق الحائريّ في درر الفوائد ١ : ١٢٨.

(٥) راجع الصفحة : ٣٣٤.

۶۸۸۱