نعم ، إذا كان القائل بالسراية يقصد أنّ العنوان يؤخذ فانيا في المعنون ، وحاكيا عنه ، وأنّ الغرض إنّما يقوم بالمعنون فذلك حقّ ونحن نقول به ، ولكن ذلك لا ينفعه في الغرض الذي يهدف إليه ؛ لأنّا نقول بذلك من دون أن نجعل متعلّق التكليف نفس المعنون ، وإنّما يكون متعلّقا له ثانيا وبالعرض ، كالمعلوم بالعرض ـ كما أشرنا إليه فيما سبق ـ ، فإنّ العلم إنّما يتعلّق بالمعلوم بالذات ، ويتقوّم به ، وليس هو إلاّ العنوان الموجود بوجود علميّ ، ولكن باعتبار فنائه في معنونه يقال للمعنون : «إنّه معلوم» ، ولكنّه في الحقيقة هو معلوم بالعرض لا بالذات ، وهذا الفناء هو الذي يخيّل الناظر أنّ المتعلّق الحقيقيّ للعلم هو المعنون ، ولقد أحسنوا في تعريف العلم بأنّه «حصول صورة الشيء لدى العقل ، لا حصول نفس الشيء» ، فالمعلوم بالذات هو الصورة ، والمعلوم بالعرض نفس الشيء الذي حصلت صورته لدى العقل.

وإذا ثبت ما تقدّم ، واتّضح ما رمينا إليه ـ من أنّ متعلّق التكليف أوّلا وبالذات هو العنوان وأنّ المعنون متعلّق له بالعرض ـ يتّضح لك الحقّ جليّا في مسألتنا «مسألة اجتماع الأمر والنهي» ، وهو أنّ الحقّ جواز الاجتماع.

ومعنى جواز الاجتماع أنّه لا مانع من أن يتعلّق الإيجاب بعنوان ، ويتعلّق التحريم بعنوان آخر ، وإذا جمع المكلّف بينهما صدفة بسوء اختياره فإنّ ذلك لا يجعل الفعل الواحد المعنون لكلّ من العنوانين متعلّقا للإيجاب والتحريم إلاّ بالعرض ، وليس ذلك بمحال ؛ فإنّ المحال إنّما هو أن يكون الشيء الواحد بذاته متعلّقا للإيجاب والتحريم.

وعليه ، فيصحّ أن يقع الفعل الواحد امتثالا للأمر من جهة باعتبار انطباق العنوان المأمور به عليه ، وعصيانا للنهي من جهة أخرى باعتبار انطباق عنوان المنهيّ عنه عليه. ولا محذور في ذلك ما دام أنّ ذلك الفعل الواحد ليس بنفسه وبذاته متعلّقا للأمر وللنهي ليكون ذلك محالا ، بل العنوانان الفانيان هما المتعلّقان للأمر والنهي ، غاية الأمر أنّ تطبيق العنوان المأمور به على هذا الفعل يكون هو الداعي إلى إتيان الفعل ، ولا فرق بين فرد وفرد في انطباق العنوان عليه ، فالفرد الذي ينطبق عليه العنوان المنهيّ عنه كالفرد الخالي من ذلك في كون كلّ منهما ينطبق عليه العنوان المأمور به بلا جهة خلل في الانطباق.

۶۸۸۱