الثالث : تفويض بيان العلوم والاحكام ، وهذا مما لا شك ولا شبهة فيه ، قال سبحانه : ﴿ ونزَّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين النحل : ٨٩. وقال سبحانه : ﴿ وأنزلنا اليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل اليهم النحل : ٤٤. وهذه الآية تفيد أن من شؤون النبي مضافاً إلى التلاوة هو تبيين ما نزل اليه من الآيات الحكيمة.

والآيات والاحاديث في ذلك كثيرة جدّاً. قال الباقر عليه‌السلام مخاطباً لجابر : « يا جابر لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا ، كنا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم » وفي رواية « ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله واصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر ».

وفي رواية محمد بن شريح عن الصادق عليه‌السلام : « والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولكن نقول ما قال ربّنا ».

وفي رواية عنه : « مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله. لسنا نقول برأينا من شيء » (٣) إلى غير ذلك من الاحاديث المفيدة أن أحاديثهم مأخوذة عن نبيّهم.

غير أنهم عليهم‌السلام يبيّنون الاحكام حسب اختلاف عقول الناس ، ويفتون حسب المصالح ، فتارة يبيّنون الاحكام الواقعية ، واُخرى الاحكام الواقعية الثانوية حسب مصالح المكلفين كما هو معلوم من افتائهم بالتقية.

قال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله : « تفويض بيان العلوم والاحكام بما رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالواقع من الاحكام ، وبعضهم بالتقية ، ويبينون تفسير الآيات وتأويلها ، وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل سائل ، ولهم أن يبيّنوا ولهم أن يسكتوا كما

__________________

١ ـ راجع جامع احاديث الشيعة : ١ / ١٧ ، المقدمة.

۵۳۱۱