حتى يرد عليه بأنه وإن كان أحوط من جهة ولكنه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة العهد والمقام من قبيل الدوران بين المحذورين.

وبالجملة : كيفية الاحتياط في المقام إنما هي بالجمع بين الإحرام من مورد العهد وتجديده من الميقات ، فلا يرد عليه الاشكال.

والعمدة هو النظر إلى الروايات الواردة في المقام وأنها هل تشمل العهد واليمين أم لا فنقول : أمّا صحيحة الحلبي (١) فلا يبعد اختصاصها بالنذر ، لأنّ موردها أن يجعل لله عليه شكراً ، وذلك ينطبق على النذر خاصّة ، لأنّ النذر هو الذي يجعل الإنسان على نفسه شيئاً لله ، فكأنه جعل واقع بينه وبين الله ، بخلاف العهد فإنه ليس فيه جعل شي‌ء على نفسه لله وإنما هو معاهدة نفسانية وقرار نفساني فيما بينه وبين الله ، وكذلك الحلف فإنه إنشاء التزام بشي‌ء مربوط بالله تعالى ، فكأنه يجعل الله لعظمته وجلالته كفيلاً وشاهداً على فعله ، وليس فيه جعل شي‌ء على نفسه لله ، فالصحيحة لا تشمل العهد واليمين.

وأمّا الموثقة (٢) فغير قاصرة الشمول للعهد واليمين ، إذ لم يذكر فيها أن يجعل لله على نفسه شيئاً ، وإنّما المذكور فيها أن يجعل على نفسه ، وهذا العنوان مشترك بين النذر والعهد واليمين ، فإنّ الحالف أيضاً يجعل على نفسه ويجعل نفسه ملزمة بشي‌ء ، غاية الأمر مرتبطاً به سبحانه ويجعله كفيلاً وشاهداً على ما التزم به ، وكذلك قوله عاهدت الله يرجع إلى قرار نفساني وإلزام نفسه بشي‌ء ، وليس كالنذر بأن يجعل الله طرفاً لجعله ، بل هو مجرّد جعل على نفسه وإلزام على نفسه ولم يجعل الله طرفاً لجعله كما في النذر ، وهذا المعنى مشترك في الجميع.

وتوضيح ما ذكرنا يتوقف على بيان أمر ذكرناه في الأُصول (٣) وحاصله : أنّ كل

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ٣١٧.

(٢) المتقدِّمة في ص ٣١٩.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٨٦.

۴۶۹