الاستعمال.

الثالث : أنّ الجملتين مختلفتان في المدلول التصوّري حتى في حالة اتّحاد لفظهما ودلالتهما على نسبةٍ واحدة ، فإنّ الجملة الخبرية موضوعة لنسبةٍ تامّةٍ منظوراً اليها بما هي حقيقة واقعة وشيء مفروغ عنه. والجملة الإنشائية موضوعة لنسبةٍ تامّةٍ منظوراً اليها بما هي نسبة يراد تحقيقها ، كما تقدّم في الحلقة الاولى (١).

ويمكن أن نفسّر على هذا الأساس إيجادية الجملة الإنشائية ، فليست هي بمعنى أنّ استعمالها في معناها هو بنفسه إيجاد للمعنى باللفظ ، بل بمعنى أنّ النسبة المبرَزة بالجملة الإنشائية نسبة منظور اليها لا بما هي ناجزة ، بل بما هي في طريق الإنجاز والإيجاد.

الثمرة :

قد يقال : إنّ من ثمرات هذا البحث أنّ الحروف بالمعنى الاصولي الشامل للهيئات إذا ثبت أنّها موضوعة بالوضع العامّ والموضوع له الخاصّ فهذا يعني أنّ المعنى الحرفيّ خاصّ وجزئي ، وعليه فلا يمكن تقييده بقرينةٍ خاصّة ، ولا إثبات إطلاقه بقرينة الحكمة العامّة ؛ لأنّ التقييد والإطلاق من شؤون المفهوم الكلّيّ القابل للتحصيص.

وممّا يترتّب على ذلك أنّ القيد إذا كان راجعاً في ظاهر الكلام إلى مفاد الهيئة فلا بدّ من تأويله ، كما في الجملة الشرطية فإنّ ظاهرها كون الشرط قيداً لمدلول هيئة الجزاء ، وحيث إنّ هيئة الجزاء موضوعة لمعنىً حرفيٍّ ـ وهو جزئيّ ـ فلا يمكن تقييده ، فلابدّ من تأويل الظهور المذكور. فإذا قيل : (إذا جاءك زيد

__________________

(١) ضمن تمهيد بحث الدلالة ، تحت عنوان : الجملة الخبريّة والجملة الإنشائيّة.

۶۰۸۱