وأمّا المعنى الثاني فكذلك أيضاً ؛ لأنّ عدم التحرّك عن القطع الذاتيّ بالتكليف يساوي عدم التحرّك عن اليقين الموضوعيّ في تعبيره عن الاستهانة بالمولى وهدر كرامته ، فيكون للمولى حقّ الطاعة فيهما على السواء ، والتحرّك عن كلٍّ منهما وفاء بحقّ المولى وتعظيم له.

وقد يقال : إنّ القطع الذاتيّ وإن كان منجِّزاً ـ لما ذكرناه ـ ولكنّه ليس بمعذِّر ، فالقَطَّاع إذا قطع بعدم التكليف وعمل بقطعه وكان التكليف ثابتاً في الواقع فلا يعذَّر في ذلك ؛ لأحد وجهين :

الأوّل : أنّ الشارع ردع عن العمل بالقطع الذاتيّ أو ببعض مراتبه المتطرِّفة على الأقلّ ، وهذا الردع ليس بالنهي عن العمل بالقطع بعد حصوله ، بل بالنهي عن المقدّمات التي تؤدّي إلى نشوء القطع الذاتيّ للقَطّاع ، أو الأمر بترويض الذهن على الاتِّزان ، وهذا حكم طريقيّ يراد به تنجيز التكاليف الواقعية التي يخطئها قطع القَطّاع وتصحيح العقاب على مخالفتها ، وهذا أمر معقول ، غير أنّه لا دليل عليه إثباتاً.

الثاني : أنّ القَطّاع في بداية أمره إذا كان ملتفتاً إلى كونه إنساناً غير متعارَفٍ في قطعه ، كثيراً ما يحصل له العلم الإجماليّ بأنّ بعض ما سيحدث لديه من قُطوعٍ نافيةٍ غير مطابقةٍ للواقع ؛ لأجل كونه قَطّاعاً ، وهذا العلم الإجماليّ منجّز.

فإن قيل : إنّ القَطّاع حين تتكوّن لديه قطوع نافية يزول من نفسه ذلك العلم الإجمالي ؛ لأنّه لا يمكنه أن يشكّ في قطعه وهو قاطع بالفعل.

كان الجواب : أنّ هذا مبنيّ على أن يكون الوصول كالقدرة ، فكما أنّه يكفي في دخول التكليف في دائرة حقّ الطاعة كونه مقدوراً حدوثاً ـ وإن زالت القدرة بسوء اختيار المكلّف ـ كذلك يكفي كونه واصلاً حدوثاً وإن زال الوصول بسوء اختياره.

۶۰۸۱