وذهب البعض الآخر إلى عدم الترخيص بإبراز علمٍ إجماليٍّ بالجامع بين طرفين فعليَّين ، كالمحقّق العراقي (١) ، إذ أجاب على شبهات عدم التنجيز بوجود علمٍ إجماليٍّ آخر غير تدريجيِّ الأطراف.

وتوضيحه : أنّ التكليف إذا كان في القطعة الزمانية المعاصرة فهو تكليف فعلي. وإذا كان في قطعةٍ زمانيةٍ متأخِّرةٍ فوجوب حفظ القدرة إلى حين مجيء ظرفه فعلي ؛ لِما يعرف من مسألة وجوب المقدّمات المفوِّتة من عدم جواز تضييع الإنسان لقدرته قبل مجيء ظرف الواجب ، وهكذا يعلم إجمالاً بالجامع بين تكليفين فعليّين فيكون منجّزاً.

ونلاحظ على هذا :

أولاً : أنّ التنجيز ليس بحاجةٍ إلى إبراز هذا العلم الإجمالي ؛ لِمَا عرفت من تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيّات.

وثانياً : أنّ وجوب حفظ القدرة إنمّا هو بحكم العقل ، كما تقدم في مباحث المقدّمة المفوِّتة ، وحكم العقل بوجوب حفظ القدرة لامتثال تكليفٍ فرع تنجّز ذلك التكليف ، فلابدّ في المرتبة السابقة على وجوب حفظ القدرة من وجود منجِّزٍ للتكليف الآخر ، ولا منجِّز له كذلك إلاّالعلم الإجمالي في التدريجيّات.

وثالثاً : أنّ المنجِّز إذا كان هو العلم الإجمالي بالجامع بين التكليف الفعلي ووجوب حفظ القدرة لامتثال التكليف المتأخّر فهو لا يفرض سوى عدم تفويت القدرة ، وأمّا تفويت ما يكلَّف به في ظرفه المتأخّر بعد حفظ القدرة فلا يمكن المنع عنه بذلك العلم الإجمالي ، وإنّما يتعيّن تنجّز المنع عنه بنفس العلم الإجمالي في التدريجيات ، وهو إن كان منجِّزاً لذلك ثبت تنجيزه لكلا طرفيه.

__________________

(١) نهاية الأفكار ٣ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥.

۶۰۸۱