الأساس فمن الممكن نظرياً أن نفترض إدراك العقل النظري لذلك الملاك بكلّ خصوصياته وشؤونه ، وفي مثل ذلك يستكشف الحكم الشرعي لا محالة استكشافاً لمّياً ، أي بالانتقال من العلّة إلى المعلول.

ولكنّ هذا الافتراض صعب التحقّق من الناحية الواقعية في كثيرٍ من الأحيان ؛ لضيق دائرة العقل ، وشعور الإنسان بأ نّه محدود الاطّلاع ، الأمر الذي يجعله يحتمل غالباً أن يكون قد فاته الاطّلاع على بعض نكات الموقف ، فقد يدرك المصلحة في فعلٍ ولكنّه لا يجزم عادةً بدرجتها وبمدى أهمّيتها وبعدم وجود أيِّ مزاحمٍ لها ، وما لم يجزم بكلّ ذلك لا يتمّ الاستكشاف.

الملازمة بين الحكم العملي وحكم الشارع :

عرفنا أنّ مرجع الحكم العملي إلى الحسن والقبح ، وأنّهما أمران واقعيان يدركهما العقل. وقبل الدخول في الحديث عن الملازمة ينبغي أن نقول كلمةً عن واقعية هذين الأمرين : فإنّ جملة من الباحثين فسّر الحسن والقبح بوصفهما حكمين عقلائيّين ، أي مجعولين من قبل العقلاء تبعاً لما يدركون من مصالح ومفاسد للنوع البشري ، فما يرونه مصلحةً كذلك يجعلونه حَسَناً ، وما يرونه مفسدةً كذلك يجعلونه قبيحاً ، ويميّزهما عن غيرهما من التشريعات العقلائية اتّفاق العقلاء عليهما وتطابقهم على تشريعهما ؛ لوضوح المصالح والمفاسد التي تدعو إلى جعلهما.

وهذا التفسير خاطئ وجداناً وتجربةً. أمّا الوجدان فهو قاضٍ بأنّ قبح الظلم ثابت بقطع النظر عن جعل أيّ جاعل ، كإمكان الممكن.

وأمّا التجربة فلأنّ الملحوظ خارجياً عدم تبعية الحسن والقبح للمصالح والمفاسد ، فقد تكون المصلحة في القبيح أكثر من المفسدة فيه ، ومع هذا يتّفق

۶۰۸۱