والظاهر من الآية الكريمة هو النحو الأول ، فالمفهوم إذن ثابت.

والاعتراض الآخر : يتلخّص فى محاولة لإبطال المفهوم عن طريق عموم التعليل بالجهالة الذي يقتضي إسراء الحكم المعلّل إلى سائر موارد عدم العلم.

ويجاب على هذا الاعتراض بوجوه :

أحدها : أنّ المفهوم مخصِّص لعموم التعليل ؛ لأنّه يثبت الحجّية لخبر العادل غير العلمي ، والتعليل يقتضي عدم حجّية كلّ ما لا يكون علمياً ، فالمفهوم أخصّ منه.

ويرد عليه : أنّ هذا إنّما يتمّ إذا انعقد للكلام ظهور في المفهوم ، ثمّ عارض عموماً من العمومات فإنّه يخصِّصه. وأمّا في المقام فلا ينعقد للكلام ظهور في المفهوم ؛ لأنّه متّصل بالتعليل ، وهو صالح للقرينية على عدم انحصار الجزاء بالشرط ، ومعه لا ينعقد الظهور في المفهوم لكي يكون مخصِّصاً.

ثانيها : أنّ المفهوم حاكم على عموم التعليل على ما ذكره المحقّق النائيني (١) رحمه‌الله ؛ وذلك لأنّ مفاده حجّية خبر العادل ، وحجّيته معناها ـ على مسلك جعل الطريقية ـ اعتباره علماً ، والتعليل موضوعه الجهل وعدم العلم ، فباعتبار خبر العادل علماً يخرج عن موضوع التعليل ، وهو معنى كون المفهوم حاكماً.

ويرد عليه : أنّه إذا كان مفاد المفهوم اعتبار خبر العادل علماً فمفاد المنطوق نفي هذا الاعتبار عن خبر الفاسق. وعليه فالتعليل يكون ناظراً إلى توسعة دائرة هذا النفي وتعميمه على كلِّ مالا يكون علمياً ، فكأنّ التعليل يقول : إنّ كلّ ما لا يكون علماً وجداناً لا أعتبره علماً. وبهذا يكون مفاد التعليل ومفاد المفهوم في رتبةٍ واحدةٍ ؛ أحدهما يثبت اعتبار خبر العادل علماً ، والآخر ينفي هذا الاعتبار ،

__________________

(١) فوائد الاصول ٣ : ١٧٢.

۶۰۸۱