ولكن قد يتجاوز هذا ويفترض النهي في حالةٍ لا يعبِّر إلاّعن تحريمٍ واحد ، كما في النهي المتعلّق بماهيّةٍ لا تقبل التكرار ، من قبيل (لا تحدث) بناءً على أنّ الحدث لا يتعدّد ، ففي هذه الحالة يكون التحريم واحداً ، كما أنّ الوجوب في (صلِّ) واحد.

ولكن مع هذا نلاحظ أنّ هناك فارقاً يظلّ ثابتاً بين الأمر والنهي ، أو بين الوجوب والتحريم ، وهو أنّ الوجوب الواحد المتعلّق بالطبيعة لا يستدعي إلاّ الإتيان بفردٍ من أفرادها ، وأمّا التحريم الواحد المتعلّق بها فهو يستدعي اجتناب كلّ أفرادها ولا يكفي أن يترك بعض الأفراد.

وهذا الفارق ليس مردّه إلى الاختلاف في دلالة اللفظ أو الإطلاق ، بل إلى أمرٍ عقلي ، وهو أنّ الطبيعة توجد بوجود فردٍ واحد ، ولكنّها لا تنعدم إلاّبانعدام جميع أفرادها. وحيث إنّ النهي عن الطبيعة يستدعي انعدامها فلا بدّ من ترك سائر أفرادها ، وحيث إنّ الأمر بها يستدعي إيجادها فيكفي إيجاد فردٍ من أفرادها.

التنبيه الرابع : أنّه في الحالات التي يكون الإطلاق فيها شمولياً يسري الحكم إلى كلّ الأفراد ، فيكون كلّ فردٍ من الطبيعة المطلقة شمولياً موضوعاً لفردٍ من الحكم ، كما في الإطلاق الشموليّ للعالِم في (أكرم العالم).

ولكنّ هذا التكثّر في الحكم والتكثّر في موضوعه ليس على مستوى الجعل ولحاظ المولى عند جعله للحكم بوجوب الإكرام على طبيعيّ العالِم ، فإنّ المولى في مقام الجعل يلاحظ طبيعيّ العالم ولا يلحظ العلماء بما هم كثرة ، فبنظره الجعليّ ليس لديه إلاّموضوع واحد وحكم واحد ، ولكنّ التكثّر يكون في مرحلة المجعول. وقد ميّزنا سابقاً (١) بين الجعل والمجعول ، وعرفنا أنّ فعلية المجعول

__________________

(١) في بحث الدليل العقلي من الحلقة الثانية ، تحت عنوان : قاعدة إمكان التكليف المشروط.

۶۰۸۱