فإن قلنا بالتبعيّة تعيّن الوجه الأوّل ، وإن أنكرناها أمكن المصير إلى الوجه الثاني ، وعلى أساسه تقوم قاعدة نفي الثالث في باب التعارض ، ويُراد بنفي الثالث : نفي حكمٍ آخر غير ما دلّ عليه المتعارضان معاً ؛ لأنّ هذا الحكم ينفيه كلا الدليلين التزاماً ولا تعارض بينهما في نفيه. وقد سبق الكلام عن تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للدلالة المطابقيّة في الحجّية.

الحكم الثالث : قاعدة الترجيح للروايات الخاصّة :

وقاعدة تساقط المتعارضين متَّبعة في كلّ حالات التعارض بين الأدلّة ، ولكن قد يُستثنى من ذلك حالة [من حالات] التعارض بين الروايات الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام ، إذ يقال بوجود دليلٍ خاصٍّ في هذه الحالة على ثبوت الحجّيّة لأحد الخبرين ، وهو ما كان واجداً لمزيّةٍ معيّنةٍ فيرجَّح على الآخر ، ونخرج بهذا الدليل الخاصّ عن قاعدة التساقط.

وهذا الدليل الخاصّ يتمثّل في رواياتٍ تسمّى بأخبار الترجيح ، ولعلّ أهمّها رواية عبدالرحمان ابن أبي عبدالله ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه» (١).

وهذه الرواية تشتمل على مرجّحين مترتّبَين ، ففي المرتبة الاولى يرجَّح ما وافق الكتاب على ما خالفه ، وفي المرتبة الثانية وفي حالة عدم تواجد المرجّح الأوّل يرجَّح ما خالف العامّة على ما وافقهم.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩

۴۷۲۱