ومن هنا وقع الكلام في كيفيّة تعريف الاستصحاب بنحوٍ يكون محوراً لكلّ هذه الاتّجاهات ، وصالحاً لدعوى الأماريّة تارةً ، ودعوى الأصليّة اخرى ، وللاستدلال عليه بالأدلّة المتنوّعة المذكورة.

ولذلك اعترض السيّد الاستاذ على التعريف المتقدّم (١) : بأ نّه إنّما يناسب افتراض الاستصحاب أصلاً ، وأمّا إذا افترض أمارةً فلا يصح تعريفه بذلك ، بل يجب تعريفه بالحيثيّة الكاشفة عن البقاء ، وليست هي إلاّاليقين بالحدوث. فينبغي أن يقال حينئذٍ : إنّ الاستصحاب هو اليقين بالحدوث ، فلا يوجد معنىً جامع يلائم كلّ المسالك يسمىّ بالاستصحاب.

ويرد عليه :

أوّلاً : أنّ حيثيّة الكاشفيّة عن البقاء ليست ـ على فرض وجودها ـ قائمةً باليقين بالحدوث فضلاً عن الشكّ في البقاء ، بل بنفس الحدوث بدعوى غلبة أنّ ما يحدث يبقى ، وليس اليقين إلاّطريقاً إلى تلك الأمارة ، كاليقين بوثاقة الراوي ، فلو اريد تعريف الاستصحاب بنفس الأمارة لتعيّن أن يُعرّف بالحدوث مباشرةً.

وثانياً : أنّه سواء بُني على الأماريّة أو على الأصليّة لا شكّ في وجود حكم ظاهريّ مجعولٍ في مورد الاستصحاب ، وإنّما الخلاف في أنّه هل هو بنكتة الكشف ، أوْ لا؟ فلا ضرورة ـ على الأماريّة ـ في أن يُعرّف الاستصحاب بنفس الأمارة ، بل تعريفه بذلك الحكم الظاهريّ المجعول يلائم كلا المسلكين أيضاً.

وثالثاً : أنّ بالإمكان تعريف الاستصحاب بأ نّه «مرجعيّة الحالة السابقة بقاءً» ويراد بالحالة السابقة اليقين بالحدوث ، وهذه المرجعيّة أمر محفوظ على كلّ المسالك والاتّجاهات ؛ لأنّها عنوان ينتزع من الأماريّة والأصليّة معاً ، ويبقى

__________________

(١) انظر مصباح الاصول ٣ : ٥

۴۷۲۱