الاستقراء والقياس

عرفنا سابقاً (١) أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد والملاكات التي يقدّرها المولى وفق حكمته ورعايته لعباده ، وليست جُزافاً أو تشهّياً.

وعليه فإذا حرّم الشارع شيئاً ـ كالخمر مثلاً ـ ولم ينصّ على الملاك والمناط في تحريمه فقد يستنتجه العقل ويحدس به ، وفي حالة الحدْس به يحدس حينئذٍ بثبوت الحكم في كلّ الحالات التي يشملها ذلك الملاك ؛ لأنّ الملاك بمثابة العلّة لحكم الشارع ، وإدراك العلّة يستوجب إدراك المعلول.

وأمّا كيف يحدس العقل بملاك الحكم ويعيّنه في صفة محدّدة؟ فهذا ما قد يكون عن طريق الاستقراء تارةً ، وعن طريق القياس اخرى.

والمراد بالاستقراء : أن يلاحظ الفقيه عدداً كبيراً من الأحكام يجدها جميعاً تشترك في حالةٍ واحدة ، من قبيل أن يحصي عدداً كبيراً من الحالات التي يُعذر فيها الجاهل ، فيجد أنّ الجهل هو الصفة المشتركة بين كلّ تلك المعذّريّات ، فيستنتج أنّ المناط والملاك في المعذّريّة هو الجهل فيعمّم الحكم إلى سائر حالات الجهل.

والمراد بالقياس : أن نحصي الحالات والصفات التي من المحتمل أن تكون مناطاً للحكم ، وبالتأمّل والحدْس والاستناد إلى ذوق الشريعة يغلب على الظنّ أنّ واحداً منها هو المناط ، فيعمّم الحكم إلى كلّ حالةٍ يوجد فيها ذلك المناط.

والاستنتاج القائم على أساس الاستقراء ظنّيّ غالباً ؛ لأنّ الاستقراء ناقص عادةً ، ولا يصل عادةً إلى درجة اليقين.

والقياس ظنّيّ دائماً ؛ لأنّه مبنيّ على استنباطٍ حَدْسيٍّ للمناط ، وكلّما كان الحكم العقليّ ظنّياً احتاج التعويل عليه إلى دليلٍ على حجّيته ، كما هو واضح.

__________________

(١) مضى البحث عنه تحت عنوان : الحكم الشرعي وتقسيمه

۴۷۲۱