النحو الثاني : أن نتمسّك بسيرة المتشرّعة من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام وفقهائهم ، فإنّنا لا نشكّ في أنّ عملهم في مقام الاستنباط كان يقوم فعلاً على العمل بظواهر الكتاب والسنّة ، ويمكن إثبات ذلك باستعمال الطريق الرابع من طرق إثبات السيرة المتقدّمة ، فلاحظ.

وعلى هذا تكون السيرة المذكورة كاشفةً كشفاً إنّيّاً مباشراً عن الإمضاء ، ولاحاجة حينئذٍ إلى توسيط قاعدة «أنّ السكوت كاشف عن الإمضاء» ، على ما تقدّم من الفرق بين سيرة المتشرّعة والسيرة العقلائية.

ويواجِه الاستدلال بالسيرة هنا نفس ما واجهه الاستدلال بالسيرة في بحث حجّيّة الخبر ، إذ يُعتَرَض : بأنّ هذه السيرة مردوع عنها بالمطلقات الناهية عن العمل بالظنّ أو بإطلاق أدلّة الُاصول.

والجواب على الاعتراض يعرف ممّا تقدّم في بحث حجّيّة الخبر ، مضافاً إلى أنّ ما دلّ على النهي عن العمل بالظنّ يشمل إطلاق نفسه ؛ لأنّه دلالة ظنّية أيضاً ، ولا نحتمل الفرق بينها وبين غيرها من الدلالات والظواهر الظنّيّة ، فيلزم من حجّيّته التعبّد بعدم حجّيّة نفسه ، وما ينفي نفسه كذلك لا يعقل الاكتفاء به في مقام الردع.

موضوع الحجّية :

عرفنا سابقاً أنّ الدلالة تصوّريّة وتصديقيّة ، وعليه فهناك ظهور على مستوى الدلالة التصوّريّة ، وهناك ظهور على مستوى الدلالة التصديقيّة.

ومعنى الظهور الأوّل : أن يكون أحد المعنيين أسرع انسباقاً إلى تصوّر الإنسان وذهنه من الآخر عند سماع اللفظ.

ومعنى الظهور الثاني : أن يكون كشف الكلام تصديقاً عمّا في نفس المتكلّم يبرز هذا المعنى دون ذاك ، فيقال حينئذٍ : إنّه ظاهر فيه بحسب الدلالة التصديقيّة.

۴۷۲۱