غير أنّ بالإمكان توجيه ما قيل أوّلاً من كون الأدلّة هي الموضوع مع عدم الالتزام بحصرها في الأدلّة الأربعة بأن نقول : إنّ موضوع علم الاصول هو كلّ ما يترقّب أن يكون دليلاً وعنصراً مشتركاً في عمليّة استنباط الحكم الشرعيّ والاستدلال عليه ، والبحث في كلّ مسألةٍ اصوليّةٍ إنّما يتناول شيئاً ممّا يترقّب أن يكون كذلك ، ويتّجه إلى تحقيق دليليّته والاستدلال عليها إثباتاً ونفياً ، فالبحث في حجّية الظهور أو خبر الواحد أو الشهرة بحث في دليليّتها ، والبحث في أنّ الحكم بالوجوب على شيءٍ هل يستلزم تحريم ضدّه؟ بحث في دليليّة الحكم بوجوب شيءٍ على حرمة الضدّ ، ومسائل الاصول العمليّة يبحث فيها عن دليليّة الشكّ وعدم البيان على المعذّريّة ، وهكذا. فصحّ أنّ موضوع علم الاصول هو الأدلّة المشتركة في الاستدلال الفقهيّ ، والبحث الاصوليّ يدور دائماً حول دليليّتها.

فائدة علم الاصول :

اتّضح ممّا سبق أنّ لعلم الاصول فائدةً كبيرةً للاستدلال الفقهيّ ؛ وذلك أنّ الفقيه في كلّ مسألةٍ فقهيّةٍ يعتمد على نمطين من المقدّمات في استدلاله الفقهيّ :

أحدهما : عناصر خاصّة بتلك المسألة ، من قبيل الرواية التي وردت في حكمها ، وظهورها في إثبات الحكم المقصود ، وعدم وجود معارضٍ لها ، ونحو ذلك.

والآخر : عناصر مشتركة تدخل في الاستدلال على حكم تلك المسألة ، وفي الاستدلال على حكم مسائل اخرى كثيرةٍ في مختلف أبواب الفقه ، من قبيل : أنّ خبر الواحد الثقة حجّة ، وأنّ ظهور الكلام حجّة.

والنمط الأوّل من المقدّمات يستوعبه الفقيه بحثاً في نفس تلك المسألة ؛ لأنّ ذلك النمط من المقدّمات مرتبط بها خاصّة.

وأمّا النمط الثاني فهو بحكم عدم اختصاصه بمسألةٍ دون اخرى انيط ببحثٍ

۴۷۲۱