الشيء الممكن (١) ، لأنّه يتّصف بالشدّة والضعف والقرب والبعد. فالنطفة الّتي فيها إمكان أن يصير إنسانا ـ مثلا ـ أقرب إلى الإنسان الممكن من الغذاء الّذي يمكن أن يتبدّل نطفة ثمّ يصير إنسانا ، والإمكان في النطفة أيضا أشدّ منه في الغذاء مثلا.

ثمّ إنّ هذا الإمكان الموجود في الخارج ليس جوهرا قائما بذاته ، وهو ظاهر ، بل هو عرض قائم بموضوع يحمله ، فلنسمّه : «قوّة» ولنسمّ الموضوع الّذي يحمله : «مادّة» ؛ فإذن لكلّ حادث زمانيّ مادّة سابقة عليه تحمل قوّة وجوده.

ويجب أن تكون المادّة غير ممتنعة عن الاتّحاد بالفعليّة الّتي تحمل إمكانها ، وإلّا لم تحمل إمكانها ، فهي في ذاتها قوّة الفعليّة الّتي تحمل إمكانها ، إذ لو كانت ذات فعليّة في نفسها لامتنعت عن قبول فعليّة اخرى ، بل هي جوهر فعليّة وجوده أنّه قوّة الأشياء ، لكنّها لكونها جوهرا بالقوّة قائمة بفعليّة اخرى إذا حدث الممكن ـ وهو الفعليّة الّتي حملت المادّة إمكانها ـ بطلت الفعليّة السابقة وقامت الفعليّة اللاحقة مقامها ، كمادّة الماء ـ مثلا ـ تحمل قوّة الهواء وهي قائمة بعد بالصورة المائيّة حتّى إذا تبدّل هواء بطلت الصورة المائيّة وقامت الصورة الهوائيّة مقامها وتقوّمت المادّة بها.

ومادّة الفعليّة الجديدة الحادثة والفعليّة السابقة الزائلة واحدة ، وإلّا كانت المادّة حادثة بحدوث الفعليّة الحادثة ، فاستلزمت إمكانا آخر ومادّة اخرى وننقل الكلام إليهما ، فكانت لحادث واحد إمكانات وموادّ غير متناهية ، وهو محال.

__________________

(١) خلافا للشيخ الإشراقيّ ، فإنّه يعتقد أنّ الإمكان ـ مطلقا ـ من الأوصاف العقليّة الّتي لا صورة لها في الأعيان. راجع حكمة الإشراق : ٧١ ـ ٧٢.

وأمّا في خصوص الإمكان الاستعداديّ فلم أجد من صرّح من القدماء بأنّه اعتبار عقليّ. نعم ، نقل المحقّق الآملي في درر الفوائد ١ : ٢٥٠ قولا من الحاشية القديمة على شرح التجريد بأنّ الاستعداد أمر اعتباريّ. وذهب بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمه‌الله إلى أنّ القوّة والإمكان الاستعداديّ مفهوم ينتزعه العقل عن حصول شرائط الشيء قبل تحقّقه نفسه ، فليس أمرا عينيّا. راجع تعليقة على نهاية الحكمة : ١٤١ و ٢٨٤.

۳۳۶۱