برهان آخر (١) : لو تعدّد الواجب بالذات ، كأن يفرض واجبان بالذات وكان وجوب الوجود مشتركا بينهما ، وكان تميّزهما بأمر وراء المعنى المشترك بينهما (٢) ، فإن كان داخلا في الذات لزم التركّب (٣) ، وهو ينافي وجوب الوجود (٤) ، وإن كان خارجا منها كان عرضيّا معلّلا ، فإن كان معلولا للذات كانت الذات متقدّمة على تميّزها بالوجود ، ولا ذات قبل التميّز فهو محال ، وإن كان معلولا لغيره كانت الذات مفتقرة في تميّزها إلى غيرها وهو محال. فتعدّد واجب الوجود على جميع تقاديره محال (٥).

__________________

(١) هذا البرهان استدلّ به المشهور بتقرير آخر غير ما في المتن. راجع الأسفار ٦ : ٥٧ ، وشرح المقاصد ٢ : ٦١ ، والمباحث المشرقيّة ٢ : ٤٥١ ـ ٤٥٤.

(٢) فإنّ ما به الامتياز غير ما به الاشتراك بالضرورة.

(٣) في تفسير قوله : «فإن كان داخلا في الذات لزم التركّب» وجهان.

الأوّل : أن يكون معناه : فإن كان ذلك الأمر الّذي كان تميّزهما به داخلا في ذات كلّ منهما كما كان ما به الاشتراك ـ وهو وجوب الوجود ـ داخلا في ذات كلّ منهما لزم تركّب ذاتهما ممّا به الاشتراك وما به الاختلاف ، والتركّب يستلزم الحاجة إلى الأجزاء ، وهي تنافي الوجوب الذاتي الّذي هو مناط الغنى.

ويؤيّد هذا المعنى ما رامه المصنّف رحمه‌الله في تقرير البرهان في بداية الحكمة : ١٩٥.

الثاني : أن يكون معناه : فإن كان مميّز كلّ واحد منهما داخلا في ذاته كان الاختلاف بينهما بالنوع بأن يكون كلّ واحد منهما مغايرا مع النوع الآخر ، فيلزم أن يكون كلّ منهما مركّبا من الجنس والفصل ، ويكون ما به الاشتراك ـ وهو وجوب الوجود ـ محمولا عليهما بالحمل العرضي ، وكلاهما محال. أمّا الأوّل فلإنّ لازم التركّب هو الحاجة إلى الأجزاء وهي تنافي وجوب الوجود ، وأمّا الثاني فلأنّ كلّ عرضيّ معلّل ويحتاج إلى غيره وهو أيضا ينافي الوجوب الذاتيّ. وهذا المعنى هو المناسب لتقرير ذكره المشهور في بيان البرهان.

(٤) لأنّ المركّب يحتاج بعض أجزائه إلى بعض ، وكلّ محتاج ممكن. أو لأنّ المركّب من الجنس والفصل ماهيّة ، وكلّ ماهيّة ممكن.

(٥) ويمكن تقريب البرهان ببيان آخر ، هو : أنّه لو تعدّد الواجب لذاته فلا بدّ من امتياز كلّ منهما عن الآخر لكي يتمّ الاثنينيّة ، وحينئذ إمّا أن يكون ما به الامتياز في كلّ منهما داخلا في ذاته ، وإمّا أن يكون خارجا عنه ، وعلى التقديرين يلزم التركّب. أمّا على الأوّل فيكون الاختلاف بينهما بالنوع ، بأن يكون كلّ واحد منهما مغايرا مع النوع الآخر ، فيلزم أن يكون ـ

۳۳۶۱