وفي معناه ما قرّر (١) ـ بالبناء على أصالة الوجود ـ أنّ حقيقة الوجود الّتي هي عين الأعيان وحاقّ الواقع حقيقة مرسلة يمتنع عليها العدم ، إذ كلّ مقابل غير قابل لمقابله (٢) ، والحقيقة المرسلة الّتي يمتنع عليها العدم واجبة الوجود بالذات ، فحقيقة الوجود الكذائيّة واجبة بالذات ، وهو المطلوب (٣).

فإن قلت : امتناع العدم على الوجود لا يوجب كونه واجبا بالذات ، وإلّا كان وجود كلّ ممكن واجبا بالذات ، لمناقضته عدمه ، فكان الممكن واجبا وهو ممكن ، وهذا خلف.

__________________

(١) والمقرّر هو الحكيم السبزواريّ في حاشية الأسفار ٦ : ١٦ ـ ١٧ ، وحاشية شرح المنظومة : ١٤٦ ، وشرح دعاء الصباح : ٢٦ ـ ٢٧.

والتقرير المذكور يتشكّل من قياسين على نحو الشكل الأوّل ، فيقال : حقيقة الوجود حقيقة مرسلة ، والحقيقة المرسلة يمتنع عليها العدم ، فحقيقة الوجود يمتنع عليها العدم.

ثمّ يجعل النتيجة صغرى قياس آخر ويقال : حقيقة الوجود يمتنع عليها العدم ، وكلّ ما يمتنع عليه العدم واجب ، فحقيقة الوجود واجبة ، وهو المطلوب.

(٢) وإلّا لزم اجتماع المتقابلين ، وهو ممنوع. بيان ذلك : أنّ التقابل امتناع اجتماع شيئين في محلّ واحد من جهة واحدة في زمان واحد ، فالسواد لا يقبل البياض ولا العكس ، والاتّصال الحقيقي لا يقبل الانفصال ولا العكس ، والوجود لا يقبل العدم ولا العكس.

(٣) وجدير بالذكر كلام الحكيم السبزواريّ في تقرير البرهان ، حيث قال : «الوجود الحقيقيّ إن كان واجبا فهو المطلوب وإلّا استلزمه ، لا لأنّه إذا لم يكن واجبا كان ممكنا فيلزم إمّا الدور وإمّا التسلسل أو المطلوب ، بل لأنّه يلزم من الرفع الّذي في النظرة الاولى ـ وهي حمقاء ـ الوضع في النظرة الثانية بلا مؤونة زائدة ، لأنّ حقيقة الوجود لا يتطرّق إليها الإمكان بمعنى سلب الضرورتين ، ولا بمعنى جواز الطرفين ، ولا بمعنى تساوي النسبتين ، بناء على بطلان الأولويّة ، لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروريّ وسلبه عن نفسه محال ، ونسبة الشيء إلى نفسه كيف تساوي نسبة نقيضه إليه؟! ولا يتطرّق إليها الافتقار والتعلّق بوجود ، لأنّه المفروض الحقيقة بقول مرسل ، وكلّ حقيقة جامعة لجميع ما هو من سنخها عريّة بذاتها عمّا هو من غرائبها ، وغرائب الوجود ما هو من سنخ العدم».

ثمّ قال : «فانظر أنّا لم نستدلّ في هذا المنهج القويم بغيره تعالى عليه ، فإنّ الوجود الّذي نستدلّ به على الوجوب ليس غريبا عنه ، بل الوجود الحقيقيّ كاشف عن الوجوب الذاتيّ ، بل هو هو». راجع شرح دعاء الصباح : ٢٦ ـ ٢٧.

۳۳۶۱