الّذي يستند إليه وجود المعلول ، ممتنعا استناده إلى غيره ، وإلّا لكان لمعلول واحد علّتان مستقلّتان (١). ولمّا كان العلم مطابقا للمعلوم بعينه (٢) كانت النسبة بين العلم بالمعلول والعلم بالعلّة هي النسبة بين نفس المعلول ونفس العلّة. ولازم ذلك توقّف العلم بالمعلول وترتّبه على العلم بعلّته. ولو ترتّب على شيء آخر غير العلم بعلّته (٣) كان لشيء واحد أكثر من علّة واحدة (٤) وهو محال (٥).

وظاهر من هذا البيان أنّ هذا حكم العلم بذات المسبّب مع العلم بذات السبب (٦)

__________________

(١) وصدور الواحد عن الكثير ممتنع لقاعدة الواحد لا يصدر إلّا من الواحد ، أو امتناع توارد علّتين على معلول واحد.

(٢) بل كان متّحدا به.

(٣) وفي النسخ : «غير علّته» والصحيح ما أثبتناه.

(٤) أي : لو ترتّب العلم بالمعلول على شيء آخر غير العلم بعلّته كان للمعلوم الواحد من جهة واحدة علّتان مستقلّتان إحداهما علّة يحصل بها وجوده وثانيتهما علّة يحصل بها العلم بوجوده.

(٥) لأنّ المفروض أنّ العلم بالمعلوم مطابق للمعلوم بعينه بل متّحد به.

ولكن يرد عليه : أنّ العلم بالعلّة الموجبة للمعلول إمّا يكون من حيث إنّها علّة لذلك المعلول أولا. فإن كان العلم بها من حيث إنّها نفسها ـ من دون لحاظ أنّها علّة المعلول ـ فلا يكون العلم بها مستلزما للعلم بالمعلول ، كما أنّ العلم بالمعلول من حيث إنّه شيء لا من حيث إنّه معلول للعلّة لا يستلزم العلم بالعلّة. وإن كان من حيث إنّها علّة لذلك المعلول فالعلم بالعلّة ـ من هذه الحيثيّة ـ وإن كان مستلزما للعلم بالمعلول إلّا أنّه لا وجه لاختصاص هذا الحكم بالعلم بالعلّة ، بل العلم بالمعلوم أيضا من حيث إنّه معلول لتلك العلّة مستلزم للعلم بالعلّة ، فإنّ المعلول أثر من آثار العلّة ، ولمّا كان بين الأثر والمؤثّر سنخيّة فالعلم بالأثر يستلزم العلم بمؤثّره.

نعم ، يمكن أن يقال : العلم بالعلّة من حيث إنّها علّة يستلزم العلم بالمعلول علما تفصيليّا ، وأمّا العلم بالمعلول من حيث إنّه معلول يستلزم العلم بالعلّة علما إجماليّا ، وذلك لأنّ العلّة تعطي المعلول وتوجده بتمام حقيقته ومحيطة عليه ، والعلم بالمعطي والمحيط يستلزم العلم بالعطاء والمحاط. وأمّا المعلول فهو أثر من آثار العلّة ومظهر من مظاهرها وجهة من جهاتها ، فالعلم به لا يوجب إلّا العلم بالعلّة بوجه مّا.

(٦) وفيه : أنّه إن كان المراد من ذاتي السبب والمسبّب هو ذاتهما من جهة أنّ المسبّب شيء والسبب شيء آخر فلا نسلّم أنّ العلم بالسبب يستلزم العلم بالمسبّب ، وإن كان المراد منهما ـ

۳۳۶۱