لنفسه» أو المقدّم والتالي كقولنا : «العدد إمّا زوج وإمّا فرد».

واولى الأوّليّات بالقبول قضيّة «امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما» الّتي يفصح عنها قولنا : «إمّا أن يصدق الإيجاب ويكذب السلب ، أو يصدق السلب ويكذب الإيجاب». وهي منفصلة حقيقيّة (١) لا تستغني عنها في إفادة العلم قضيّة نظريّة ولا بديهيّة حتّى الأوّليّات (٢) ، فإنّ قولنا : «الكلّ أعظم من جزئه» ـ مثلا ـ

__________________

(١) وهي قضيّة حكم فيها بتنافي طرفيها صدقا وكذبا في الإيجاب ، فلا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما في الإيجاب ، وعدم تنافي طرفيها صدقا وكذبا في السلب ، فيجتمعان ويرتفعان فيه.

(٢) لا يقال : لا ريب في عدم استغناء القضايا النظريّة عن قضيّة امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما. إنّما الكلام في عدم استغناء القضايا البديهيّة عنها ، فإنّه ينافي بداهتها ، ضرورة أنّ البديهيّ ـ كما مرّ ـ هو ما لا يحتاج في حصوله إلى اكتساب ونظر ، كما أنّ النظريّ ما يحتاج في إفادة العلم إلى ضمّ ضميمة والنظر في قضيّة. فإذا لم تكن قضيّة مستغنية عن الضميمة كانت نظريّة ، فالقول بعدم استغناء القضايا البديهيّة عن قضيّة امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما يستلزم أن تكون البديهيّة نظريّة ، وهذا خلف.

لأنّه يقال : التحقيق أنّ البديهيّ والنظريّ مفهومان إضافيّان ، فربّ متصوّر كان بديهيّا بالنسبة إلى متصوّر ونظريّا بالنسبة إلى متصوّر آخر ، وربّ قضيّة كانت بديهيّة بالنسبة إلى قضيّة ونظريّة بالنسبة إلى قضيّة اخرى. ولذا كان الأولى أن يقال في تعريفهما في باب التصوّرات : أنّ التصوّر النظريّ ما يجوز أن يسأل عنه ب «ما هو؟» حتّى يقع في جوابه ما يكون شرحا له. والتصوّر البديهيّ ما يقع في جواب السؤال عن الشيء ب «ما هو؟» فإن كان هو أيضا ممّا يجوز أن يسأل عنه ب «ما هو؟» يكون بديهيّا بالنسبة إلى ما قبله الّذي كان هذا شرحا له ، ونظريّا بالنسبة إلى ما يقع في الجواب عن السؤال عنه ب «ما هو؟» ولم ينقطع السؤال حتّى تنتهي السلسلة إلى ما لا يجوز أن يسأل عنه ب «ما هو؟» فهو أبده البديهيّات وأوّل الأوائل في التصوّرات ، وهو الوجود.

فالإنسان ـ مثلا ـ نظريّ ، أي يجوز أن يسأل عنه ب «ما هو؟» فيقال : «حيوان». وهذا بالنسبة إلى الإنسان بديهيّ ، ولكن لمّا كان يجوز أن يسأل عنه ب «ما هو؟» فهو نظريّ ويسأل عنه ب «ما هو؟» فيقال : «نام حسّاس متحرّك بالإرادة». وهذا الجواب بديهيّ من جهة أنّه وقع في جواب السؤال عن الحيوان ب «ما هو؟» ونظريّ من جهة أنّه يجوز أن يسأل عنه ب «ما هو؟» فيقال : «موجود». وهذا بديهيّ غير نظريّ ، لعدم جواز السؤال عنه ب «ما هو؟» ، بل إذا سئل عنه ب «ما هو؟» فيقال : «موجود». فهذا أوّل الأوائل في باب التصوّرات. ـ

۳۳۶۱