(عزّ اسمه) فاعل مختار ، وهو علّة تامّة لما سواه ، وكون العالم واجبا بالنسبة إليه ينافي حدوثه الزمانيّ (١). ولذلك اختار قوم (٢) أنّ فعل المختار لا يحتاج إلى مرجّح. واختار بعضهم (٣) أنّ الإرادة مرجّحة بذاتها ، لا حاجة معها إلى مرجّح آخر. واختار جمع (٤) أنّ الواجب تعالى عالم بجميع المعلومات ، فما علم منه أنّه ممكن سيقع يفعله ، وما علم منه أنّه محال لا يقع لا يفعله. واختار آخرون (٥) أنّ

__________________

(١) أقول : إنّ الواجب تعالى قبل التأثير مختار من دون أن يكون فاعلا ومؤثّرا ، أي له أن يفعل كما له أن لا يفعل ، وله أن يؤثّر في الوجود ويفيض كما له أن لا يؤثّر فيه ولا يفيض. وأمّا بعد التأثير ـ أي اذا تعلّقت مشيئته بالفعل ـ يؤثّر فيصير فاعلا مختارا وعلّة تامّة لما سواه. فإذا تعلّقت مشيئته بالفعل ـ لما فيه من المصلحة ـ خرج الفعل عن حالة الاستواء فوجب ووجد ، وإذا تعلّقت مشيئته بعدم الفعل ـ لما فيه من المفسدة ـ خرج الفعل عن حالة الاستواء فامتنع ولم يوجد.

(٢) وهم الأشاعرة من المتكلّمين ، كما قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٨٥ : «والأشعريّ الناف للمرجّح». وراجع شرح الإشارات ٣ : ١٣١.

(٣) أي بعض الأشاعرة ، وهو جمهور المتكلّمين من أصحاب أبي الحسن الأشعريّ. راجع شرح المقاصد ١ : ٢٣٦ ، وشرح المواقف : ٢٩٠ ، وشرح العقائد النسفيّة ٢ : ١٠٠ ، والملل والنحل ١ : ٩٤. ونسب إليهم أيضا في حوار بين الفلاسفة والمتكلّمين : ١١٧ ـ ١١٨ ، والأسفار ٦ : ٣٢٠ ـ ٣٢١. وذهب إليه أيضا المتأخّرون من المعتزلة على ما نقل عنهم في تعليقة السبزواريّ على الأسفار ٦ : ٣٢٥.

(٤) هذا القول هو الظاهر ممّا نسب إلى جمهور أهل السنّة والجماعة من أنّ إرادته تعالى نافذة في جميع مراداته على حسب علمه بها ، فما علم كونه أراد كونه في الوقت الّذي علم أنّه يكون فيه ، وما علم أنّه لا يكون أراد أن لا يكون. راجع الفرق بين الفرق : ٢٥٩.

وقريب منه ما ينسب إلى الحسين بن محمّد النجّار الّذي كان يقول : «إنّ الله لم يزل مريدا أن يكون في وقته ما علم أنّه يكون وقته ، مريدا أن لا يكون ما علم أنّه لا يكون». راجع مقالات الإسلاميّين ١ : ٣١٥.

وتعرّض لهذا القول الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٤٧٩ من دون إشارة إلى قائله.

(٥) وهم جمهور قدماء المعتزلة ، كما قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٨٥ : «وقيل ـ القائل هو المعتزليّ ـ : إنّ المرجّح علم ربّنا تعالى وتقدّس بالأصلح». ونسب إليهم أيضا في شرح الإشارات ٣ : ١٣١ ، والأسفار ٦ : ٣٢٥ ، وكشف الفوائد : ٤٧.

۳۳۶۱