الرؤية بحركة زيد ما دام يتحرّك ، فإذا وقف عن الحركة تغيّر العلم ، ويسمّى : «علم ما بعد الكثرة».

فإن قيل : تغيّر العلم ـ كما اعترفتم به في القسم الثاني ـ دليل كونه مادّيا ، فإنّ التغيّر ـ وهو الانتقال من حال إلى حال ـ لازمه القوّة ، ولازمها المادّة ، وقد قلتم : «إنّ العلم بجميع أقسامه مجرّد».

قلنا : العلم بالتغيّر غير تغيّر العلم (١) ، والتغيّر ثابت في تغيّره ، لا متغيّر ؛ وتعلّق العلم بالمتغيّر ـ أي حضوره عند العالم ـ إنّما هو من حيث ثباته ، لا تغيّره ، وإلّا لم يكن حاضرا فلم يكن حضور شيء لشيء ، وهذا خلف.

تنبيه :

يمكن أن يعمّم التقسيم بحيث يشمل العلم الحضوريّ. فالعلم الكلّيّ كعلم العلّة بمعلولها من ذاتها الواجدة في ذاتها كمال المعلول بنحو أعلى وأشرف ، فإنّه لا يتغيّر بزوال المعلول لو جاز عليه الزوال. والعلم الجزئيّ كعلم العلّة بمعلولها الداثر الّذي هو عين المعلول ، فإنّه يزول بزوال المعلول.

__________________

(١) قال المصنّف رحمه‌الله في تعليقته على الأسفار ٣ : ٤٠٨ : «التحقيق أنّ الصور العلميّة مجرّدة غير قابلة للتغيير ، سواء كانت كلّيّة أو جزئيّة ، غير أنّ العلوم الانفعاليّة لمّا كانت لا تفارق أعمالا مادّيّة صادرة عن مظاهر القوى النفسانيّة ـ كالعين والاذن وغيرهما ـ كان ظهورها للنفس تابعة للفعل والانفعال المادّيّ الواقع في تلك المظاهر ، وبانقطاع ذلك ينقطع الظهور فالتغيّر انّما يقع في مرحلة المظاهر البدنيّة من حيث إعمالها ، وأمّا الصورة العلميّة وإن كانت جزئيّة حسّيّة فلا تغيّر فيها. والدليل على ذلك أنّا نقدر على إعادة الصور الّتي أحسناها قبل زمان بعينها ، ولو كانت الصورة المحسوسة مادّيّة لزالت بزوال الحركات المادّيّة وامتنع ذكرها بعينها بالضرورة ، هذا. وأمّا العلم الإحساسيّ والخياليّ تعلّق بالتغيّرات والحركات والمقادير الّتي تحتمل القسمة ووجوب مطابقة الصورة العلميّة للمعلوم الخارجيّ. فالعلم بالتغيّر والحركة والانقسام غير تغيّر العلم وحركته وانقسامه».

۳۳۶۱