اخرى كثيرة ، إذا اجتمعت صارت علّة تامّة يجب معها الفعل (١). وأمّا الإنسان نفسه فجزء من أجزاء العلّة التامّة (٢) نسبة الفعل إليه بالإمكان دون الوجوب ، والكلام في إيجاب العلّة التامّة (٣) لا مطلق العلّة (٤).

على أنّ تجويز استواء نسبة الفاعل المختار إلى الفعل وعدمه إنكار لرابطة العلّيّة (٥) ولازمه تجويز علّيّة كلّ شيء لكلّ شيء ومعلوليّة كلّ شيء لكلّ شيء.

فإن قلت : هب أنّ الإنسان الفاعل المختار ليس بعلّة تامّة ، لكنّ الواجب

__________________

(١) بل الإنسان واستقامة الجوارح الفعّالة والداعي إلى الفعل والإرادة وغيرها إنّما هي معدّات يقرّب المادّة إلى إفاضة الفاعل الحقيقي ، وهو الواجب تعالى ، فما يجب معه الفعل هو إفاضة الواجب تعالى ، وهو العلّة التامّة.

فالإنسان المختار الّذي له أن يرجّح ما شاء من الفعل أو الترك ليس علّة تامّة للفعل حتّى يجب وجود المعلول عند وجوده واختياره. كيف واختيار الإنسان أيضا ممّا أفاضه الواجب تعالى ، أي تعلّقت مشيئته إلى كونه مختارا بحيث يتمكّن من الفعل والترك ، وهذا معنى الأمر بين الأمرين ، كما سيأتي.

(٢) بل هو من المعدّات الّتي تهيّئ المادّة للخروج من العدم إلى الوجود بعد إفاضة الفاعل الحقيقيّ ، غاية الأمر أنّه مختار ، فله أن يفعل وله أن لا يفعل ، وهذا ما تعلّقت به مشيئة الواجب تعالى.

(٣) لا يخفى أنّ الكلام ليس في إيجاب العلّة التامّة الّذي يرجع إلى الوجوب بالغير ، بل الكلام في الوجوب بالقياس إلى الغير ، أي وجوب الوجود المعلول عند وجود العلّة التامّة ووجوب وجود العلّة التامّة عند وجود المعلول.

(٤) أي : حتّى العلّة الناقصة. ولكن قد مرّ أنّها ليست علّة حقيقيّة.

(٥) لا يخفى أنّ تجويز استواء نسبة الفاعل المختار إلى الفعل وعدمه من حيث إنّه فاعل بالفعل إنكار لرابطة العلّيّة ، فإنّ الاستواء يستلزم أن لا يكون الفاعل فاعلا ، فيصير كغيره من الأشياء أجنبيّا عن المعلول ، وحينئذ يلزم منه إمّا تجويز عدم فاعليّة الفاعل وهذا تناقض ، وإمّا تجويز علّيّة كلّ شيء لكلّ شيء ومعلوليّة كلّ شيء لكلّ شيء وهذا باطل بالضرورة. وأمّا تجويز استواء نسبة الفاعل المختار إليهما من حيث إنّه مختار ـ قبل أن يؤثّر في الشيء ـ فليس إنكارا لرابطة العلّيّة ، لأنّ المفروض أنّه لم يؤثّر في الشيء ، فلا علّيّة بينه وبين الشيء حتّى تنكر ، بل إنّما هو المختار بمعنى أنّ له أن يرجّح الفعل فيصير فاعلا وعلّة له أو يرجّح الترك فلا يصير فاعلا وعلّة له.

۳۳۶۱