علم الشيء بالشيء (١) هو حصول المعلوم ـ أي الصورة العلميّة ـ للعالم كما تقدّم (٢). وحصول الشيء وجوده ، ووجوده نفسه (٣) فالعلم هو عين المعلوم بالذات. ولازم حصول المعلوم للعالم وحضوره عنده اتّحاد العالم به ، سواء كان معلوما حضوريّا أو حصوليّا ، فإنّ المعلوم الحصوليّ إن كان أمرا قائما بنفسه كان وجوده لنفسه ، وهو مع ذلك للعالم ، فقد اتّحد العالم مع المعلوم ، ضرورة امتناع كون الشيء موجودا لنفسه ولغيره معا ؛ وإن كان أمرا وجوده لغيره ـ وهو الموضوع ـ وهو مع ذلك للعالم ، فقد اتّحد العالم بموضوعه ، والأمر الموجود لغيره متّحد بذلك الغير ، فهو متّحد بما يتّحد به ذلك الغير. ونظير الكلام يجري في المعلوم الحضوريّ مع العالم به.

فإن قلت : قد تقدّم في مباحث الوجود الذهنيّ (٤) أنّ معنى كون العلم من مقولة المعلوم كون مفهوم المقولة مأخوذا في العلم ـ أي صدقت (٥) المقولة عليه بالحمل الأوّليّ دون الحمل الشايع الّذي هو الملاك في اندراج الماهيّة تحت المقولة

__________________

(١) تلويح إلى أنّ مورد الخلاف في مسألة اتّحاد العالم بالمعلوم هو علم الشيء بغيره. وأمّا علمه بذاته فلا ريب في أنّه ليس أمرا خارجا عن ذاته ، واتّحاد العالم بالمعلوم في علمه بذاته ممّا اتّفق عليه الحكماء.

ولا يخفى أنّ المسألة من غوامض المسائل الحكميّة. واعترف بصعوبتها الشيخ الإشراقيّ حيث قال : «وكان يصعب عليّ مسألة العلم ، وما ذكر في الكتب لم ينقّح لي». (راجع التلويحات : ٧٠) ، كما اعترف بها صدر المتألّهين فقال : «إنّ مسألة كون النفس عاقلة لصور الأشياء المعقولة من أغمض المسائل الحكميّة الّتي لم ينقّح لأحد من علماء الإسلام إلى يومنا هذا. ونحن لمّا رأينا صعوبة المسألة ولم نر في كتب القوم سيّما كتب أبي عليّ ما يشفي العليل بل وجدناه وكلّ من في طبقته كبهمنيار وشيخ اتباع الرواقيّين والمحقّق الطوسيّ لم يأتوا بشيء يمكن التعويل عليه فتوجّهنا إلى مسبّب الأسباب وتضرّعنا إلى مسهّل الامور الصعاب في فتح هذا الباب ، فأفاض علينا في ساعة تسويدي هذا الفصل من خزائن علمه علما جديدا. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». انتهى كلامه ملخّصا. (راجع الأسفار ٣ : ٣١٢ ـ ٣١٣).

(٢) في الفصل السابق.

(٣) أي : وجوده المحدود تمام ذاته.

(٤) راجع المرحلة الثالثة من المتن.

(٥) أي : حملت.

۳۳۶۱