فالزمان موجود ، وماهيّته أنّه مقدار متّصل غير قارّ عارض للحركة (١).

وقد تبيّن بما مرّ امور :

الأوّل : أنّه لمّا كان كلّما وضعنا حركة أو بدّلنا حركة من حركة ثبت هذا الكمّ المسمّى بالزمان ، ثبت أنّ لكلّ حركة ـ أيّة حركة كانت (٢) ـ زمانا خاصّا بها ، متشخّصا بتشخّصها ، مقدّرا لها ، وإن كنّا نأخذ زمان بعض الحركات مقياسا نقدّر به حركات اخرى ، كما نأخذ زمان الحركة اليوميّة مقياسا نقدّر به الحركات الاخرى الّتي تتضمّنها الحوادث الكونيّة الكلّيّة والجزئيّة بتطبيقها على ما نأخذ لهذا الزمان من الأجزاء ، كالقرون والسنين والشهور والأسابيع والأيّام والساعات والدقائق والثواني وغير ذلك.

الثاني : أنّ نسبة الزمان إلى الحركة نسبة الجسم التعليميّ إلى الجسم الطبيعيّ ، وهي نسبة المعيّن إلى المبهم (٣).

الثالث : أنّه كما تنقسم الحركة إلى أقسام لها حدود مشتركة وبينها فواصل غير موجودة إلّا بالقوّة وهي الآنيّات كذلك الزمان ينقسم إلى أقسام لها حدود مشتركة ، وبينها فواصل غير موجودة إلّا بالقوّة (٤) وهي الآنات. فالآن طرف

__________________

(١) إعلم أنّ الناس قد اختلفوا في الزمان ، فمنهم من أنكر وجود الزمان وقال : «إنّه لا وجود له إلّا بحسب الوهم». ومنهم من قال : «إنّه جوهر مجرّد». ومنهم من قال : «إنّه واجب الوجود». ومنهم من قال : «إنّه جوهر جسمانيّ هو الفلك الأعلى». ومنهم من قال : «إنّه عرض غير قارّ». وتفصيل هذه المذاهب وأدلّتهم مذكور في المطوّلات ، فراجع الفصل العاشر والفصل الحادي عشر من المقالة الثانية من الفنّ الأوّل من طبيعيّات الشفاء ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٦٤٢ ـ ٦٥٨ ، والأسفار ٣ : ١٤١ ـ ١٤٨ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ١٠٢ ـ ١١٠ ، وشرح عيون الحكمة ٢ : ١١٩ ـ ١٢٣ ، وشرح المنظومة : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

(٢) وفي النسخ : «أيّ حركة كانت» والصحيح ما أثبتناه.

(٣) فسيلان الطبيعة وخروجها من القوّة إلى الفعل إذا لوحظ مطلقا ـ أي غير مقيّد باللانهاية أو النهاية وعند التناهي بسنة أو شهر أو ساعة ـ فهو الحركة ، وإذا لوحظ مقيّدا بشيء منها ـ أي مقدّرا بمقدار خاصّ ـ فهو الزمان.

(٤) أي : بحسب الوهم.

۳۳۶۱