وإلّا لزم تخلّف المعلول بتغيّره عن علّته ، وهو محال (١). فالطبائع والصور الجوهريّة ـ الّتي هي الأسباب القريبة (٢) للأعراض اللاحقة الّتي فيها الحركة ـ متغيّرة في وجودها متجدّدة في جوهرها ، وإن كانت ثابتة بماهيّتها ، قارّة في ذاتها (٣) ، لأنّ الذاتيّ لا يتغيّر.

__________________

(١) هذا أوّل البراهين الّتي أقامها على وجود الحركة الجوهريّة. وهو مبتن على تغاير الجوهر والعرض وجودا وماهيّة كما ذهب إليه المشّاؤون. وأمّا بناء على ما ذهب إليه صدر المتألّهين من أنّ العرض من مراتب وجود الجوهر من دون تغاير في الوجود فلا يصحّ الاستدلال به ، فإنّه لا يمكن أن يكون الجوهر علّة للعرض ، وإلّا لزم أن يكون الشيء علّة لنفسه ، وهو محال.

(٢) والتقييد ب «القريبة» للاحتراز عن البعيدة. والمراد من الأسباب القريبة هو ما لا واسطة بينه وبين الحركة ، وهو الطبيعة ، كما أنّ المراد من الأسباب البعيدة هو ما يوجب الحركة بواسطة ، كالنفس النباتيّة ، فإنّها وإن تحرّك أجسامها المركّبة لكن تحريكها إيّاها ليس بلا واسطة ، بل بواسطة استخدام طبائع تلك الأجسام المتحرّكة وقواها ، فتكون بين النفس النباتيّة والأجسام المتحرّكة واسطة هي : طبائعها وقواها.

(٣) أشار بقوله : «فالطبائع والصور الجوهريّة متغيّرة في وجودها ، متجدّدة في جوهرها ، وإن كانت ثابتة بماهيّتها قارّة في ذاتها» إلى ما أجاب به صدر المتألّهين عن إشكال أورده الشيخ الرئيس على القول بالحركة في الجوهر. (راجع الفصل الثالث من المقالة الثانية من الفنّ الأوّل من طبيعيّات الشفاء).

وحاصل الإشكال : أنّه لا معنى لوقوع الحركة في الجوهر إلّا وقوع الاشتداد والتضعّف فيه. وحينئذ فإمّا أن يبقى نوع الجوهر في وسط الاشتداد ـ مثلا ـ أو لا يبقى. فعلى الأوّل لم تتغيّر صورته الجوهريّة في ذاتها ، بل إنّما تغيّرت في عارض ، فلا يكون اشتدادا جوهريّا ، بل هو حركة في الكيف ـ مثلا ـ. وعلى الثاني ليس حركة في الجوهر ، بل هو من الكون والفساد ـ أي فساد صورة وكون صورة اخرى ـ ، مضافا إلى أنّه يلزم منه أن يحدث في كلّ آن مفروض جوهر آخر ويكون بين الجوهر الحادث أوّلا والجوهر الحادث آخرا أنواع من الجواهر غير متناهية ، وهذا في الصورة الجوهريّة محال ، لأنّه يستلزم أن يكون الشيء الواحد أنواعا كثيرة.

وأجاب عنه صدر المتألّهين في الشواهد الربوبيّة : ٩٨ بأنّ التجدّد في جانب الوجود والبقاء في جانب الماهيّة ، فقال : «إنّ الجوهر الّذي وقع فيه الحركة الاشتداديّة نوعه باق في وسط الاشتداد ، لكن قد تغيّر وجوده وتبدّلت صورته الخارجيّة بتبدّل طور من الوجود ـ

۳۳۶۱