الفصل الخامس

الشيء ما لم يجب لم يوجد (١)

وفيه بطلان القول بالأولويّة (٢)

قد تقدّم (٣) أنّ الماهيّة في مرتبة ذاتها ليست إلّا هي ، لا موجودة ولا معدومة ولا أيّ شيء آخر ، مسلوبة عنها ضرورة الوجود وضرورة العدم سلبا تحصيليّا ، وهو «الإمكان» فهي عند العقل متساوية النسبة إلى الوجود والعدم فلا يرتاب العقل في أنّ تلبّسها بواحد من الوجود والعدم لا يستند إليها ، لمكان استواء النسبة ،

__________________

(١) لا يخفى أنّ المراد بالشيء هو الممكن بالذات. والمراد من الوجوب هو الوجوب بالغير. فقولهم : «الشيء ما لم يجب لم يوجد» معناه أنّ الممكن بالذات ما لم يجب بالغير لم يوجد.

ولا يخفى أيضا أنّه لا وجه لتخصيص الوجود بالذكر ، لأنّه كما ليس ترجيح جانب الوجود بالعلّة إلّا بإيجاب الوجود كذلك ليس ترجيح جانب العدم بالعلّة إلّا إذا كانت العلّة بحيث تفيد امتناع معلولها ، كما صرّح بذلك المصنّف رحمه‌الله. فالأولى أن يقول في عنوان الفصل : «الشيء ما لم يجب لم يوجد وما لم يمتنع لم يعدم».

(٢) وظاهره أنّ بطلان القول بالأولويّة متفرّع على قاعدة «الشيء ما لم يجب لم يوجد».

ولكن التحقيق أنّهما متلازمان. ولعلّه قال المصنّف رحمه‌الله في بداية الحكمة : ٥٩ : «في أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وبطلان القول بالأولويّة». ويشهد له ما ذكره صدر المتألّهين في عنوان الفصل من قوله : «في إبطال كون الشيء أولى له الوجود أو العدم ، أولويّة غير بالغة حدّ الوجوب». الأسفار ١ : ١٩٩. والأولى أن يقول صدر المتألّهين : «... حدّ الوجوب أو الامتناع» ، إلّا أن يكون مراده من الوجوب مطلق الضرورة ، فإنّ الضرورة عامّ تشمل ضرورة الوجود وضرورة العدم.

(٣) في الفصل الثانى من المرحلة الاولى.

۲۸۳۱