لزم تركّب الواجب ، مع أنّه معنى عدميّ لا يصلح أن يكون جزءا للواجب. وإن كان هو الكون بشرط التجرّد لم يكن الواجب بالذات واجبا بذاته. وإن كان غير الكون في الأعيان ، فإن كان بدون الكون لزم أن لا يكون موجودا ، فلا يعقل وجود بدون الكون. وإن كان الكون داخلا فيه لزم التركّب (١). والتوالي المتقدّمة كلّها ظاهرة البطلان. وإن كان الكون خارجا عنه فوجوده خارج عن حقيقته ، وهو المطلوب ، إلى غير ذلك من الاعتراضات.

ووجه اندفاعها : أنّ المراد بالوجود المأخوذ فيها إمّا المفهوم العامّ البديهيّ وهو معنى عقليّ اعتباريّ غير الوجود الواجبيّ الّذي هو حقيقة عينيّة خاصّة بالواجب ، وإمّا طبيعة كلّيّة مشتركة متواطئة متساوية المصاديق. فالوجود العينيّ حقيقة مشكّكة مختلفة المراتب ، أعلى مراتبها الوجود الخاصّ بالواجب بالذات.

وأيضا التجرّد عن الماهيّة ليس وصفا عدميّا ، بل هو في معنى نفي الحدّ الّذي هو من سلب السلب الراجع إلى الإيجاب.

وقد تبيّن أيضا أنّ ضرورة الوجود للواجب بالذات ضرورة أزليّة ، لا ذاتيّة ولا وصفيّة ؛ فإنّ من الضرورة ما هو أزليّة ، وهي ضرورة ثبوت المحمول للموضوع بذاته ، من دون أيّ قيد وشرط ، كقولنا : «الواجب موجود بالضرورة». ومنها ضرورة ذاتيّة ، وهي ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع مع الوجود لا بالوجود (٢) ، سواء كانت ذات الموضوع علّة للمحمول ، كقولنا : «كلّ مثلّث فإنّ زواياه الثلاث مساوية لقائمتين بالضرورة» فإنّ ماهيّة المثلّث علّة للمساواة إذا كانت موجودة ، أو لم تكن ذات الموضوع علّة لثبوت المحمول ، كقولنا : «كلّ إنسان إنسان بالضرورة أو حيوان أو ناطق بالضرورة» فإنّ ضرورة ثبوت الشيء لنفسه بمعنى عدم الانفكاك حال الوجود من دون أن تكون الذات علّة لنفسه.

__________________

(١) وفي النسخ : «إن كان الكون داخلا لزم التركّب». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) راجع تعليقتنا على الفصل الأوّل من هذه المرحلة ، الرقم ٣٢.

۲۸۳۱