كلّ مفهوم فرضناه ثمّ نسبنا إليه الوجود (١) فإمّا أن يكون الوجود ضروريّ الثبوت له وهو الوجوب ، أو يكون ضروريّ الانتفاء عنه ـ وذاك كون العدم ضروريّا له (٢) ـ وهو الامتناع ، أو لا يكون الوجود ضروريّا له ولا العدم ضروريّا له وهو الإمكان. وأمّا احتمال كون الوجود والعدم معا ضروريّين له فمندفع بأدنى التفات (٣). فكلّ مفهوم مفروض إمّا واجب وإمّا ممتنع وإمّا ممكن.

وهذه قضيّة منفصلة حقيقيّة مقتنصة (٤) من تقسيمين دائرين بين النفي والإثبات بأن يقال : «كلّ مفهوم مفروض ، فإمّا أن يكون الوجود ضروريّا له أو لا. وعلى الثاني فإمّا أن يكون العدم ضروريّا له أو لا. الأوّل هو الواجب ، والثاني هو الممتنع ، والثالث هو الممكن».

والذيّ يعطيه التقسيم من تعريف الموادّ الثلاث أنّ وجوب الشيء كون وجوده ضروريّا له ، وامتناعه كون عدمه ضروريّا له ، وإمكانه سلب الضرورتين بالنسبة إليه. فالواجب ما يجب وجوده ، والممتنع ما يجب عدمه ، والممكن ما ليس يجب وجوده ولا عدمه (٥).

__________________

ـ أي يمكن أن يعدم ـ وهو الممكن».

والوجه في الأولويّة أنّ ما ذكرناه هو اللائق بمباحث الفلسفة الباحثة عن أحوال الموجود.

(١) وأنت خبير بأن لا معنى للمفهوم المفروض إلّا المفهوم الموجود في الذهن ، وهو موجود ممكن فقط كما مرّ.

(٢) لا يخفى أنّ العدم لا شيئيّة له حتّى يقال : «إنّه ضروريّ للشيء».

(٣) للزوم اجتماع النقيضين.

(٤) والوجه في كونها مقتنصة أنّ المنفصلة الحقيقيّة لا يزيد أطرافها عن اثنين ، فكلّما زاد أطراف المنفصلة عن اثنين فالمنفصلة مقتنصة من منفصلات حقيقيّة اخرى لا تزيد أطرافها عن اثنين.

(٥) قال الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١١٣ : «ولمّا كان الوجوب أقرب إليه [أي إلى العقل] لا جرم كان أعرف عند العقل ، فلهذا يكون تعريف الإمكان والامتناع بالوجوب أولى من العكس».

وفيه : أوّلا : لا وجه لكون الوجوب أقرب إلى العقل. وثانيا : لو سلّم فإنّما يكون تعريف الإمكان والامتناع بالوجوب أولى من العكس ، وأمّا تعريف الواجب بالوجوب تعريف ـ

۲۸۳۱