المستحيل أن يرجع الاختلاف والتمانع الذاتيّ إلى الاتّحاد والتآلف ، والواحد والكثير ليسا كذلك ، إذ الواحد والكثير قسمان ينقسم إليهما الموجود من حيث هو موجود ، وقد تقدّم (١) أنّ الوحدة مساوقة للوجود ، فكلّ موجود ـ من حيث هو موجود ـ واحد ، كما أنّ كلّ واحد ـ من حيث هو واحد ـ موجود. فالواحد والكثير كلّ منهما مصداق الواحد ـ أي أنّ ما به الاختلاف بين الواحد والكثير راجع إلى ما به الاتّحاد ـ وهذا شأن التشكيك دون التقابل.

فالوحدة والكثرة من شؤون تشكيك الوجود ، ينقسم الوجود بذلك إلى الواحد والكثير مع مساوقة الواحد للموجود المطلق ، كما ينقسم إلى الوجود الخارجيّ والذهنيّ مع مساوقة الخارجيّ لمطلق الوجود ، وينقسم إلى ما بالفعل وما بالقوّة مع مساوقة ما بالفعل لمطلق الوجود.

على أنّ واحدا من أقسام التقابل الأربعة بما لها من الخواصّ لا يقبل الانطباق على الواحد والكثير ، فإنّ النقيضين والعدم والملكة أحد المتقابلين فيهما عدم للآخر ، والواحد والكثير وجوديّان ، والمتضايفان متكافئان وجودا وعدما وقوّة وفعلا ، وليس الواحد والكثير على هذه الصفة ، والمتضادّان بينهما غاية الخلاف ، ولا كذلك الواحد والكثير ، فإنّ كلّ كثير عدديّ قوبل به الواحد العدديّ ، فإنّ هناك ما هو أكثر منه وأبعد من الواحد لعدم تناهي العدد ، فليس بين الواحد والكثير شيء من التقابلات الأربعة ، والقسمة حاصرة ، فلا تقابل بينهما أصلا.

__________________

(١) في الفصل الأوّل من هذه المرحلة.

۲۸۳۱