الفصل الخامس

في ماهيّة المادّة وإثبات وجودها (١)

لا ريب أنّ الجسم في أنّه جوهر يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاثة (٢) أمر بالفعل ؛ وفي أنّه يمكن أن يوجد فيه كمالات اخر أوّليّة مسمّاة بالصور النوعيّة الّتي تكمّل جوهره ، وكمالات ثانية من الأعراض الخارجة عن جوهره ، أمر بالقوّة. وحيثيّة الفعل غير حيثيّة القوّة ، لما أنّ الفعل لا يتمّ إلّا بالوجدان ، والقوّة تلازم الفقدان. فالّذي يقبل من ذاته هذه الكمالات الاولى والثانية الممكنة فيه ويتّحد بها ، أمر غير صورته الاتّصاليّة الّتي هو بها بالفعل ، فإنّ الاتّصال الجوهريّ

__________________

(١) قال الحكيم السبزواريّ : «إنّ الهيولى العمّ أعني ما حمل ، قوّة شيىء أثبتت كلّ الملل. ومعناه أنّ الهيولى ـ بمعنى حامل القوّة والجوهر الّذي تطرأ عليه الانفعالات ـ اتّفاقيّة. وكذا معلومة الإنّيّة بحسب هذا المفهوم ؛ فإنّه إذا قيل : صارت النطفة حيوانا ، والبيضة فرخا ، والبذر نباتا ، وغير ذلك ، فإمّا أن يراد النطفة مثلا باقية نطفة ومع هذا حيوان فيكون في حالة واحدة نطفة وحيوانا ، وإمّا أن يراد أنّ النطفة بطلت بكلّيّتها ثمّ حدث حيوان فحينئذ ما صارت النطفة حيوانا بل تلك بطل بكلّيتها ، وهذا شيء جديد حصل من كتم العدم بتمام أجزائه. وهذان باطلان. فبقي أن يكون الجوهر الّذي كان متلبّسا بالصورة النطفيّة خلعت عنه هذه واكتسى الصورة الحيوانيّة. وهذا مصحّح أن يقول الإنسان : هذا الزرع من بذره ، وهذا الفرخ من بيضته ، وهذا الولد من نطفته ، ونحو ذلك. فظهر أنّ الهيولى بحسب هذا المفهوم معلوم الإنّيّة حتّى عند العامّة. إنّما النزاع في ماهيّتها ، هل هي نفس الجوهر المتّصل؟ أو جوهر أبسط منه يقال له : مادّة الموادّ؟ أو جواهر فرده؟ أو أجرام صغار صلبة؟». شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٢١٣.

(٢) أي : الامتدادات الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم.

۲۸۳۱