وهذا الاتّجاه غير صحيح ؛ لأنّ دليل حرمة الربا موضوعه ما كان رباً في الواقع ، سواء نفيت عنه الربوية إدّعاءً في لسان الشارع أوْ لا ، والدليل الحاكم لا ينفي صفة الربوية حقيقةً ، وإنمّا ينفيها ادّعاءً ، وهذا يعني أنّه لا ينفي الشرط في القضية الشرطية المفادة في الدليل المحكوم ، بل الشرط محرز وجداناً ، وبهذا يحصل التعارض بين الدليلين ، فلابدّ من تخريجٍ لتقديم الدليل الحاكم مع الاعتراف بالتعارض.

الاتّجاه الثاني : وهو الصحيح ، وحاصله : أنّه بعد الاعتراف بوجود التعارض بين الدليلين يقدَّم الدليل الحاكم تطبيقاً لنظرية الجمع العرفي المتقدمة ؛ لأنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ، وهذا النظر ظاهر في أنّ المتكلّم قد أعدّه لتفسير كلامه الآخر فيكون قرينة ، ومع وجود القرينة لايشمل دليل الحجّية ذا القرينة ؛ لأنّ دليل حجّية الظهور مقيّد بالظهور الذي لم يعدَّ المتكلّم قرينةً لتفسيره ، فبالدليل الناظر المعدِّ لذلك يرتفع موضوع حجّية الظهور في الدليل المحكوم ، سواء كان الدليل الحاكم متّصلاً أو منفصلاً ، غير أنّه مع الاتّصال لا ينعقد ظهور تصديقي في الدليل المحكوم أصلاً ، وبهذا لا يوجد تعارض بين الدليلين أساساً ، ومع الانفصال ينعقد ولكن لا يكون حجّة. لِمَا عرفت.

ثمّ إن النظر الذي هو ملاك التقديم يثبت بأحد الوجوه التالية :

الأول : أن يكون مسوقاً مساق التفسير ، بأن يقول : أعني بذلك الكلام كذا ، ونحو ذلك.

الثاني : أن يكون مسوقاً مساق نفي موضوع الحكم في الدليل الآخر ، وحيث إنّه غير منتفٍ حقيقةً فيكون هذا النفي ظاهراً في ادّعاء نفي الموضوع وناظراً إلى نفي الحكم حقيقةً.

الثالث : أن يكون التقبّل العرفي لمفاد الدليل الحاكم مبنيّاً على افتراض

۶۰۸۷