٣ ـ تحديد مفاد البراءة

وبعد أن اتَّضح أنّ البراءة تجري عند الشكّ ؛ لوجود الدليل عليها وعدم المانع ، يجب أن نعرف أنّ الضابط في جريانهاأن يكون الشكّ في التكليف ؛ لأنّ هذا هو موضوع دليل البراءة. وامّا إذا كان التكليف معلوماً والشكّ في الامتثال فلا تجري البراءة ، وإنّما تجري أصالة الاشتغال ؛ لأنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

وهذا واضح على مسلكنا المتقدم (١) القائل بأنّ الامتثال والعصيان ليسا من مسقطات التكليف ، بل من أسباب انتهاء فاعليته ، إذ على هذا المسلك لا يكون الشكّ في الامتثال شكّاً في فعلية التكليف ، فلا موضوع لدليل البراءة بوجه.

وأمّا إذا قيل بأنّ الامتثال من مسقطات التكليف فالشكّ فيه شكّ في التكليف لا محالة. ومن هنا قد يتوهّم تحقّق موضوع البراءة وإطلاق أدلتها لمثل ذلك ، ولا بدّ للتخلّص من ذلك : إمّا من دعوى انصراف أدلّة البراءة إلى الشكّ الناشئ من غير ناحية الامتثال ، أو التمسّك بأصلٍ موضوعيٍّ حاكم ، وهو استصحاب عدم الامتثال.

ثمّ بعد الفراغ عن الفرق بين الشكّ في التكليف والشكّ في الامتثال ـ أي المكلَّف به ـ باتّخاذ الأول ضابطاً للبراءة والثاني ضابطاً لأصالة الاشتغال يقع الكلام في ميزان التمييز الذي به يعرف كون الشكّ في التكليف لكي تجري البراءة.

__________________

(١) في بحث الدليل العقلي من الحلقة الثانية ، تحت عنوان : مسقطات الحكم.

۶۰۸۷