وهنا نقول : إنّ مدرك الحجِّية إذا كان هو سيرة المتشرِّعة المعاصرين للمعصومين فكيف نستطيع أن نتأكّد أنّها جرت فعلاً على العمل بالظهور في هذه الحالة بالذات؟

وأمّا إذا كان مدرك الحجية السيرة العقلائية ، فيمكن للقائلين بالحجِّية أن يدَّعوا شمول الوجدان العقلائيّ لهذه الحالة أيضاً.

وقد يلاحظ على الوجه الثاني ـ وهو الاستدلال بالسيرة العقلائية ـ أمران :

أحدهما : أنّه قاصر عن الشمول لموارد وجود أمارةٍ معتبرةٍ عقلائياً على خلاف الظهور ولو لم تكن معتبرةً شرعاً ، كالقياس مثلاً ـ لو قيل بأنّ العقلاء يعتمدون عليه في رفع اليد عن الظهور ـ فلا يمكن إثبات حجِّية الظهور المبتلى بهذه الأمارة على الخلاف بالسيرة العقلائية ، إذ لا سيرة من العقلاء على العمل بمثل هذا الظهور فعلاً ، اللهمّ إلاّإذا استفيد من دليل إسقاطها عن الحجِّية تنزيلها منزلة العدم بلحاظ تمام الآثار.

ولكنّ الصحيح : أنّ هذا الكلام إنّما يتّجه لو قيل بأنّ الإمضاء يتحدّد بحدود العمل الصامت للعقلاء ، غير أنّك عرفت في الحلقة السابقة (١) أنّ الإمضاء يتّجه إلى النكتة المرتكزة التي هي أساس العمل ، وهي في المقام الحجِّية الاقتضائية للظهور مطلقاً. وكلّ حجّةٍ كذلك لا يرفع اليد عنها إلاّبحجّة ، والمفروض عدم حجّية الأمارة على الخلاف شرعاً فيتعيّن العمل بالظهور.

والأمر الآخر الذي يلاحظ على الوجه الثاني : أنّ السيرة العقلائية إنّما انعقدت على العمل بالظهور ، واتّخاذه أساساً لاكتشاف المراد في المتكلّم الاعتياديّ الذي يندر اعتماده على القرائن المنفصلة عادةً ، والشارع ليس من هذا

__________________

(١) في بحث تحديد دلالات الدليل الشرعي غير اللفظي ، تحت عنوان : السيرة.

۶۰۸۷