النكرة في سياق النهي أو النفي ، فلابدّ أن يكون الدالّ على هذه الشمولية شيئاً غير إطلاق النكرة نفسها ، فمن هنا يُدّعى أنّ السياق ـ أي وقوع النكرة متعلّقاً للنهي أو النفي ـ من أدوات العموم ليكون هو الدالّ على هذه الشمولية.

ولكنّ التحقيق : أنّ هذه الشمولية سواء كانت على نحو شمولية العامّ أو على نحو شمولية المطلق بحاجةٍ إلى افتراض مفهومٍ اسميٍّ قابلٍ للاستيعاب والشمول لأفراده بصورةٍ عرضية لكي يدلّ السياق حينئذٍ على استيعابه لأفراده ، والنكرة لا تقبل الاستيعاب العرضي ، كما تقدم ، فمن أين يأتي المفهوم الصالح لهذا الاستيعاب لكي يدلّ السياق على عمومه وشموله؟

ومن هنا نحتاج إذن إلى تفسيرٍ للشمولية التي نفهمها من النكرة الواقعة في سياق النهي والنفي ، ويمكن أن يكون ذلك بأحد الوجهين التاليَين :

الأول : أن يُدّعى كون السياق قرينةً على إخراج الكلمة عن كونها نكرة ، فيكون دور السياق إثبات ما يصلح للإطلاق الشمولي. وأمّا الشمولية فتثبت بإجراء قرينة الحكمة في تلك الكلمة بدون حاجةٍ إلى افتراض دلالة السياق نفسه على الشمولية والعموم.

الثاني : ما ذكره صاحب الكفاية (١) رحمه‌الله من أنّ الشمولية ليست مدلولاً لفظياً ، وإنّما هي بدلالةٍ عقلية ؛ لأنّ النهي يستدعي إعدام متعلَّقه ، والنكرة لا تنعدم ما دام هناك فرد واحد.

غير أنّ هذه الدلالة العقلية إنّما تُعيِّن طريقة امتثال النهي ، وأنّ امتثاله لا يتحقّق إلاّبترك جميع أفراد الطبيعة ، ولا تثبت الشمولية ـ بمعنى تعدّد الحكم والتحريم ـ بعدد تلك الأفراد ، كما هو واضح.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥٤.

۶۰۸۷