الفصل السادس

في قدرته تعالى

قد تقدم (١) أن القدرة ، كون الشيء مصدرا للفعل عن علم ، ومن المعلوم أن الذي ، ينتهي إليه الموجودات الممكنة ، هو ذاته المتعالية ، إذ لا يبقى وراء الوجود الممكن ، إلا الوجود الواجبي من غير قيد وشرط ، فهو المصدر للجميع ، وعلمه عين ذاته ، التي هي المبدأ لصدور المعاليل الممكنة ، فله القدرة وهي عين ذاته.

فإن قلت ، أفعال الإنسان الاختيارية مخلوقة لنفس الإنسان ، لأنها منوطة باختياره ، إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، ولو كانت مخلوقة لله سبحانه مقدورة له ، كان الإنسان مجبرا على الفعل لا مختارا فيه ، فأفعال الإنسان الاختيارية خارجة عن تعلق القدرة ، فالقدرة لا تعم كل شيء.

قلت ليس معنى كون الفعل اختياريا ، تساوى نسبته إلى الوجود والعدم حتى حين الصدور ، فمن المحال صدور الممكن ، من غير ترجح وتعين لأحد جانبي وجوده وعدمه ، بل الفعل الاختياري لكونه ممكنا في ذاته ، يحتاج في وجوده إلى علة تامة لا يتخلف عنها ، نسبته إليها نسبة الوجوب ، وأما نسبته إلى الإنسان الذي هو جزء من أجزاء علته التامة ، فبالإمكان كسائر الأجزاء التي لها ، من المادة القابلة وسائر الشرائط ، الزمانية والمكانية وغيرها.

فالفعل الاختياري لا يقع إلا واجبا بالغير ، كسائر المعلولات ، ومن المعلوم أن الوجوب بالغير لا يتحقق ، إلا بالانتهاء إلى واجب بالذات ، ولا واجب

__________________

(١) في الفصل العاشر من المرحلة عشر.

۱۸۴۱