ومن طريق آخر:

ما سواه تعالى من الوجودات الإمكانية ، فقراء في أنفسها متعلقات في حدود ذواتها ، فهي وجودات رابطة ، لا استقلال لها حدوثا ولا بقاء وإنما تتقوم بغيرها ، وينتهي ذلك إلى وجود مستقل في نفسه غني في ذاته ، لا تعلق له بشيء تعلق الفقر والحاجة ، وهو الواجب الوجود تعالى وتقدس.

فتبين أن الواجب الوجود تعالى ، هو المفيض لوجود ما سواه ، وكما أنه مفيض لها مفيض لآثارها القائمة بها ، والنسب والروابط التي بينها ، فإن العلة الموجبة للشيء المقومة لوجوده ، علة موجبة لآثاره والنسب القائمة به ومقومة لها.

فهو تعالى وحده المبدأ الموجد لما سواه ، المالك لها المدبر لأمرها ، فهو رب العالمين لا رب سواه.

تتمة

، قالت الثنوية ، إن في الوجود خيرا وشرا ، وهما متضادان لا يستندان إلى مبدإ واحد ، فهناك مبدئان مبدأ الخيرات ومبدأ الشرور.

وعن أفلاطون ، في دفعه ، أن الشر عدم والعدم لا يحتاج إلى علة فياضة ، بل علته عدم الوجود ، وقد بين الصغرى بأمثلة جزئية ، كالقتل الذي هو شر مثلا ، فإن الشر ليس هو قدرة القاتل عليه فإنه كمال له ، ولا حدة السيف مثلا وصلاحيته للقطع فإنه كمال فيه ، ولا انفعال رقبة المقتول من الضربة ، فإنه من كمال البدن ، فلا يبقى للشر إلا بطلان حياة المقتول بذلك ، وهو أمر عدمي وعلى هذا القياس في سائر الموارد.

وعن أرسطو ، أن الأقسام خمسة ، ما هو خير محض وما خيره كثير وشره

__________________

(١) في الفصل السابق.

۱۸۴۱