ليس الكل بأعظم من جزئه كاذبا.

فهي أول قضية مصدق بها لا يرتاب فيها ذو شعور ، وتبتنى عليها العلوم فلو وقع فيها شك ، سرى ذلك في جميع العلوم والتصديقات.

تتمة

السوفسطي المنكر لوجود العلم ، غير مسلم لقضية أولى الأوائل ، إذ في تسليمها اعتراف ، بأن كل قضيتين متناقضتين ، فإن إحداهما حقة صادقة.

ثم السوفسطي ، المدعي لانتفاء العلم والشاك في كل شيء ، إن اعترف بأنه يعلم أنه شاك ، فقد اعترف بعلم ما ، وسلم قضية أولى الأوائل ، فأمكن أن يلزم بعلوم كثيرة ، تماثل علمه بأنه شاك ، كعلمه بأنه يرى ويسمع ، ويلمس ويذوق ويشم ، وأنه ربما جاع فقصد ما يشبعه ، أو ظمأ فقصد ما يرويه ، وإذا ألزم بها ألزم بما دونها من العلوم ، لأن العلم ينتهي إلى الحس ما تقدم (١).

وإن لم يعترف بأنه يعلم أنه شاك ، بل أظهر أنه شاك في كل شيء ، وشاك في شكه لا يدري شيئا ، سقطت معه المحاجة ولم ينجع فيه برهان ، وهذا الإنسان إما مبتلى بمرض ، أورثه اختلالا في الإدراك ، فليراجع الطبيب ، وإما معاند للحق يظهر ما يظهر لدحضه ، فليضرب وليؤلم وليمنع مما يقصده ويريده ، وليؤمر بما يبغضه ويكرهه ، إذ لايرى حقيقة لشيء من ذلك.

نعم ربما راجع بعضهم هذه العلوم العقلية ، وهو غير مسلح بالأصول المنطقية ، ولا متدرب في صناعة البرهان ، فشاهد اختلاف الباحثين في المسائل بين الإثبات والنفي ، والحجج التي أقاموها على كل من طرفي النقيض ،

__________________

(١) في الفصل الثاني.

۱۸۴۱