ومن الدليل عليه ، أنا ربما أثبتنا وجود شيء ثم ترددنا في خصوصية ذاته ، كما لو أثبتنا للعالم صانعا ، ثم ترددنا في كونه واجبا أو ممكنا ، وفي كونه ذا ماهية أو غير ذي ماهية ، وكما لو أثبتنا للإنسان نفسا ، ثم شككنا في كونها مجردة أو مادية وجوهرا أو عرضا ، مع بقاء العلم بوجوده على ما كان ، فلو لم يكن للوجود معنى واحد ، بل كان مشتركا لفظيا متعددا معناه بتعدد موضوعاته ، لتغير معناه بتغير موضوعاته ، بحسب الاعتقاد بالضرورة.

ومن الدليل عليه ، أن العدم يناقض الوجود وله معنى واحد ، إذ لا تمايز في العدم ، فللوجود الذي هو نقيضه معنى واحد ، وإلا ارتفع النقيضان وهو محال.

والقائلون باشتراكه اللفظي بين الأشياء ، أو بين الواجب والممكن ، إنما ذهبوا إليه حذرا من لزوم السنخية ، بين العلة والمعلول مطلقا (١) ، أو بين الواجب والممكن (٢) ، ورد بأنه يستلزم تعطيل العقول عن المعرفة ، فإنا إذا قلنا الواجب موجود ، فإن كان المفهوم منه المعنى ، الذي يفهم من وجود الممكن ، لزم الاشتراك المعنوي ، وإن كان المفهوم منه ما يقابله وهو مصداق نقيضه ، كان نفيا لوجوده تعالى عن ذلك ، وإن لم يفهم منه شيء كان تعطيلا للعقل عن المعرفة ، وهو خلاف ما نجده من أنفسنا بالضرورة.

الفصل الثالث

في أن الوجود زائد على الماهية عارض لها

بمعنى أن المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر ، فللعقل أن يجرد الماهية ، وهي ما يقال في جواب ما هو عن الوجود ، فيعتبرها وحدها فيعقلها ، ثم

__________________

(١) هذا على القول باشتراكه اللفظي بين الاشياء ـ منه دام ظله.

(٢) هذا على القول باشتراكه اللفظي بين الواجب والممكنه ـ منه دام ظله.

۱۸۴۱