اللّازم فى الحقيقة أحد الأمرين لا كلاهما ، ومن البيّن انّ إبطال أحد الأمرين يستلزم إبطال كلّ واحد منهما ، ضرورة أنّ أحد الأمرين أعمّ من كلّ واحد ، وإبطال الأعمّ يستلزم إبطال الاخصّ ، فكانّه قال : واللازم بجميع اقسامه باطل فافهم.

أمّا وجه بطلان الدور والتنبيه عليه فهو أن يقال إذا توقّف اعلى ب بمرتبة أو بمراتب ، وتوقّف ب على ا بمرتبة أو بمراتب ، يلزم تقدّم كلّ منهما على نفسه بمراتب.

وتأخّر كلّ منهما عن نفسه بمراتب ، وكلاهما ضرورىّ البطلان لاستلزامهما اجتماع النقيضين وارتفاعهما معا. ولمّا جعل هذا الوجه تنبيها على بطلان الدّور لا دليلا عليه ، اندفع ما أوردوا عليه من الاعتراضات والشّبه ، اذ المناقشة فى التنبيهات مما لا يجدى كثير نفع.

وأمّا وجه بطلان التّسلسل والدّليل عليه فكثير. أقواها وأشملها برهان التّطبيق الّذي هو العمدة فى إبطال التّسلسل لجريانه فى كلّ ما يدّعى عدم تناهيه. وتقريره انّه لو تسلسلت أمور إلى غير النّهاية فحصلت هناك جملتان : إحداهما مجموع تلك الأمور الغير المتناهية بحيث لا يشذّ عنها شيء والأخرى ما سوى قدر متناه من تلك الجملة من جانب المبدأ ، فينطبق الجملتين من مبدأيهما بان تفرض الأوّل من الثّانية بإزاء الأوّل من الأولى والثانى بإزاء الثانى ، وهلم جرّا. فان كان بإزاء كلّ جزء من الأولى جزء من الثانية يلزم تساوى الكلّ والجزء ، وإن لم يكن كذلك فقد وجد فى الأولى جزء لا يوجد بإزائه جزء فى الثّانية ، وهذا يستلزم تناهى الثانية ويلزم منه تناهى الأولى لانّ زيادتها عليها بقدر متناه هو القدر المحذوف من الأولى لتحصيل الثّانية ، والزّائد على المتناهى بقدر متناه متناه بالضّرورة ، فيلزم انقطاع السلسلتين معا وقد فرضناهما غير متناهيين. وكلا اللّازمين محال قطعا فالملزوم مثله.

وهذا الدّليل على رأى المتكلّمين يجرى فى الأمور الغير المتناهية الموجودة مطلقا ، سواء كانت متعاقبة فى الوجود كالحركات الفلكيّة ، أو مجتمعة فيه سواء كانت بينها ترتب عقلىّ كالعلل والمعلولات ، أو وضعى كالأبعاد ، أو لم يكن بينها ترتب أصلا كالنّفوس النّاطقة المفارقة : فعندهم لا يشترط فى بطلان التّسلسل إلا الوجود.

وأمّا على رأى الحكماء فلا يجرى إلّا فى الأمور المترتّبة المجتمعة فى الوجود فيشرط

۲۹۲