لما نزلت آية المباهلة وهى قوله تعالى  ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ دعا رسول الله (ص) وفد نجران الى المباهلة وهى الدعاء على الكاذب من الفريقين ، وخرج معه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) لا غير ، وهو يقول إذا أنا دعوت فأمّنوا ، وقد اتّفق أئمّة التّفسير على أنّ المراد من قوله  ﴿أَبْناءَنا هو الحسن والحسين (ع) ومن قوله  ﴿نِساءَنا هو فاطمه (ع) ومن قوله  ﴿أَنْفُسَنا امير المؤمنين (ع) ولا شك انّ ذلك يدلّ على احتياج النّبيّ (ص) فى إتمام أمر المباهلة إليهم دون غيرهم ، ومن احتاج النّبيّ إليه فى امر الدّين خصوصا مثل هذه الواقعة العظيمة الّتي هى من قواعد النّبوّة ودلايل علوّا المنزلة عند الله تعالى أفضل من غيره قطعا ، والمنازعة فى ذلك مكابرة غير مسموعة ، فيكون امير المؤمنين (ع) أفضل من غيره ولأفضليّته أدلّة لا تحصى سنذكر بعضا منها عن قريب. وإذا ثبت أنّه (ع) أفضل النّاس بعد النّبيّ (ص) وقد تقدّم أنّ الإمام لا بدّ أن يكون أفضل من الرّعية ، فلا يصلح غيره ممن وقع النزاع فى إمامتهم أن يكون إماما فيكون هو الإمام قطعا.

ولأنّ الإمام اى من ادلّة إمامة امير المؤمنين انّ الإمام يجب أن يكون معصوما لما تقدّم من الأدلّة الدّالّة على وجوب عصمة الإمام ولا أحد من غيره اى غير امير المؤمنين (ع) ممّن ادّعى له الإمامة من العباس وابى بكر بمعصوم إجماعا ، لسبق الكفر وغيره ممّا ينافى العصمة اتّفاقا ، فلا يكون غيره إماما ، فيكون هو الإمام لما تقدّم من أنّ الإمامة واجب على الله تعالى.

ولأنّه أى أمير المؤمنين (ع) أعلم من جميع الصّحابة لقوة حدسه وشدّة ملازمته للنّبىّ (ص) لأنّه كان فى صغره فى حجره ، وفى كبره ختنا له يدخله كلّ وقت ، وكثرة استفادته منه حتّى قال : علّمنى رسول الله ألف باب من العلم فانفتح لى من كلّ باب ألف باب. وقال : والله لو كسرت لى الوسادة ثمّ جلست عليها لحكمت بين أهل التّورية بتوريتهم وبين أهل الإنجيل

۲۹۲