من أساليب الكلام. وقالت المعتزلة والكرّاميّة والحنابلة هو الحروف والأصوات المركّبة تركيبا مفهما. والحقّ الأخير لوجهين : الأوّل ، انّ المتبادر إلى أفهام العقلاء هو ما ذكرناه ، ولذلك لا يصفون بالكلام من لم يتّصف بذلك كالسّاكت والأخرس. الثّاني ، انّ ما ذكروه غير متصوّر ، فان المتصوّر إمّا القدرة الذّاتيّة التى تصدر عنها الحروف والأصوات ، وقد قالوا هو غيرها ، أو العلم وقد قالوا هو غيره ، وباقى الصّفات ليست صالحة لمصدريّة ما قالوه ، واذا لم يكن متصوّرا لم يصحّ إثباته اذا التّصديق مسبوق بالتصوّر. الثّالث ، فيما تقوم به تلك الصّفة امّا الأشاعرة فلقولهم بالمعنى قالوا انّه قائم بذاته تعالى. وأمّا القائلون بالحروف والصّوت ، فقد اختلفوا فقالت الحنابلة والكرّاميّة انّه قائم بذاته تعالى ، فعندهم هو المتكلّم بالحروف والصّوت. وقالت المعتزلة والاماميّة وهو الحقّ انّه قائم بغيره لا بذاته ، كما أوجد الكلام فى الشّجرة فسمعه موسى (ع) ، ومعنى انه متكلّم انّه فعل الكلام لا قام به الكلام. والدليل على ذلك انه أمر ممكن ، والله تعالى قادر على كلّ الممكنات. وأمّا ما ذكروه فممنوع ، وسند المنع من وجهين : الأوّل ، انّه لو كان المتكلّم من قام به الكلام لكان الهواء الّذي يقوم به الحرف والصّوت متكلّما ، وهو باطل ؛ لانّ اهل اللغة لا يسمّون المتكلّم إلّا من فعل الكلام ، لا من قام به الكلام ، ولهذا كان الصّدى غير متكلّم. وقالوا : تكلّم الجنّىّ على لسان المصروع لاعتقادهم انّ الكلام المسموع من المصروع فاعله الجنّىّ. الثّاني ، انّ الكلام إمّا المعنى وقد بان بطلانه ، أو الحرف والصّوت ، ولا يجوز قيامهما بذاته وإلّا لكان ذا حاسّة لتوقّف وجودهما على وجود آلتيهما ضرورة ؛ فيكون البارى تعالى ذا حاسّة ، وهو باطل. الرّابع ، فى قدمه أو فى حدوثه ، فقالت الأشاعرة بقدم المعنى ، والحنابلة بقدم الحروف ، وقالت المعتزلة بالحدوث ، وهو الحقّ لوجوه : الأوّل ، أنّه لو كان قديما لزم تعدّد القدماء وهو باطل ، لإن القول بقدم غير الله كفر بالإجماع. ولهذا كفرت النّصارى لاثباتهم قدم الأقنوم. الثّاني ، انه مركّب من الحروف والأصوات الّذي يعدم السّابق منها بوجود لاحقه ، والقديم لا يجوز عليه العدم. الثّالث ،

۲۹۲