اتّفق جمهور العقلاء على أنّه تعالى حىّ ، واختلفوا فى معنى حياته ، فقال جمهور المتكلّمين إنّها صفة توجب صحّة العلم والقدرة ، وقال الحكماء وبعض المعتزلة إنّها كونه بحيث يصحّ أن يعلم ويقدر. وللحياة معنى آخر وهى بهذا المعنى من الكيفيّات النّفسانيّة الموجودة فى الحيوان ، وهى ما يقتضي الحسّ والحركة لأنّه تعالى قادر عالم وكلّ قادر عالم حىّ فيكون حيّا بالضّرورة.

أمّا الصّغرى ، فلما تقدّم من الدّليلين الدّالين على كونه قادرا عالما ، وأمّا الكبرى ، فلأنّ الحياة سواء كانت نفس صحّة العلم والقدرة أو مبدأ لها شرط للعلم والقدرة ، والشّرط لازم للمشروط قطعا.

واعلم انه قد يتوّهم أنّ إثبات الحياة بالعلم يستلزم الدّور ، لانه قد أثبت العلم سابقا بالحياة ، حيث قال : لأنّه حىّ يصحّ أن يعلم كلّ معلوم وليس بشيء ، لأنه إنّما أثبت الحياة بنفس العلم ، والّذي أثبت بالحياة هو شمول العلم لا نفسه فلا دور ، على أنّ فيه إشارة إلى أنّ لعلمه تعالى أدلّة أخرى لا يتوقّف على التّصديق بحياته ، كاستناد كلّ شيء إليه ، وغيره من الأدلّة السّمعية الدّالة على ما فصّل فى محله ، فيصحّ إثبات الحياة بالعلم الثّابت بهذه الأدلّة ، وإن كان الدّليل المذكور هاهنا موقوفا على التصديق بها فليتأمّل.

الصّفة الرّابعة أنّه تعالى مريد وكاره ، المراد من الإرادة هاهنا ما يخصّص الفعل المقدور بالوقوع ، ومن الكراهة ما يخصّص الترك المقدور به ، وربّما يطلق الإرادة على ما يخصّص أحد الطّرفين المقدورين بالوقوع ، سواء كان فعلا أو تركا ، وهذا هو المشهور بين الجمهور ، ولهذا يكتفى فى الأكثر بذكر الإرادة كما لا يخفى ، لأنّ الآثار تصدر عنه تعالى فى بعض الأوقات دون بعض ، كوجود زيد فى وقت كذا ، مع أنّ نسبة الذّات إلى جميع الأوقات على السّوية ، وتخصيص الأفعال ، اى الآثار بإيجادها فى وقت معيّن دون وقت معيّن آخر ، مع استواء نسبة الذّات إلى جميع الأوقات لا بدّ له ، اى لذلك التخصيص من مخصّص تخصيص تلك الآثار بايجادها فى

۲۹۲