وأمّا : الوجه الثاني ـ وهو الأصحّ ـ فبيانه أنّ اليقين بالحدوث إن أريد به اليقين بحدوث الفرد مع قطع النظر عن الخصوصيّة المفرّدة ـ لأنّها مجهولة حسب الفرض ـ فاليقين موجود ، ولكنّ المتيقّن حينئذ هو الكلّيّ الذي يصلح للانطباق على كلّ من الفردين ، وإن أريد به اليقين بحدوث الفرد بما له من الخصوصيّة المفرّدة فواضح أنّه غير حاصل فعلا ؛ لأنّ المفروض أنّ الخصوصيّة المفرّدة مجهولة ، ومردّدة بين خصوصيّتين ، فكيف تكون متيقّنة في عين الحال؟! إذ المردّد بما هو مردّد لا معنى لأن يكون معلوما متعيّنا ، هذا خلف محال ، وإنّما المعلوم هو القدر المشترك. وفي الحقيقة أنّ كلّ علم إجماليّ مؤلّف من علم وجهل ، ومتعلّق العلم هو القدر المشترك ، ومتعلّق الجهل خصوصيّاته ، وإلاّ فلا معنى للإجمال في العلم ، وهو عين اليقين والانكشاف. وإنّما سمّي بـ «العلم الإجماليّ» ؛ لانضمام الجهل بالخصوصيّات إلى العلم بالجامع.

وعليه ، فإنّ ما هو متيقّن ـ وهو الكلّي ـ لا فائدة في استصحابه لغرض ترتّب أثر الفرد بخصوصه ، وما له الأثر المراد ترتّبه عليه ـ وهو الفرد. بخصوصيّته ـ غير متيقّن ، بل هو مجهول مردّد بين خصوصيّتين ، فلا يتحقّق في استصحاب الفرد المردّد ركن اليقين بالحالة السابقة ، لا أنّ الفرد المردّد متيقّن ، ولكن لا شكّ في بقائه.

والوجه الأصحّ هو الثاني ، كما ذكرنا. وأمّا : الوجه الأوّل ـ وهو أنّه لا شكّ في بقاء المتيقّن ـ فغريب صدوره عن بعض أهل التحقيق ، (١) فإنّ كونه مردّدا بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هو مقطوع الارتفاع معناه في الحقيقة هو الشكّ فعلا في بقاء الفرد الواقعيّ وارتفاعه ؛ لأنّ المفروض أنّ القطع بالبقاء والقطع بالارتفاع ليسا قطعين فعليّين ، بل كلّ منهما قطع على تقدير مشكوك ، والقطع على تقدير مشكوك ليس قطعا فعلا ، بل هو عين الشكّ.

وعلى كلّ حال ، فلا معنى لاستصحاب الفرد المردّد ، ولا معنى لأن يقال ـ كما سبق عن بعض الأجلّة قدس‌سرهم ـ (٢) : «إنّ تردّده بحسب علمنا لا يضرّ بيقين وجوده سابقا» ؛ فإنّه كيف يكون تردّده بحسب علمنا لا يضرّ باليقين؟! وهل اليقين إلاّ العلم؟ إلاّ إذا أراد من اليقين

__________________

(١) وهو المحقّق النائينيّ ، كما مرّ.

(٢) وهو المحقّق السيّد الطباطبائي اليزديّ ، كما مرّ.

۶۸۸۱