وحينئذ ، فلا معنى للنهي عنه إلاّ أن يراد به عدم الاعتناء بالشكّ عملا ، والبناء عليه كأنّه لم يكن ؛ لغرض ترتيب أحكام اليقين عند الشكّ ، ولكن لا يصحّ أن يقصد أحكام اليقين من جهة أنّه صفة من الصفات ؛ لارتفاع أحكامه بارتفاعه قطعا ، فلم يكن رفع اليد عن الحكم عملا نقضا له بالشكّ ، بل باليقين ؛ لزوال موضوع الحكم قطعا.

وعليه ، فالمراد من «الأحكام» الأحكام الثابتة للمتيقّن بواسطة اليقين به ، فهو تعبير آخر عن الأمر بالعمل بالحالة السابقة في الوقت اللاحق ... بمعنى وجوب العمل في مقام الشكّ بمثل العمل في مقام اليقين ، كأنّ الشكّ لم يكن ، فكأنّه قال : «اعمل في حال شكّك ، كما كنت تعمل في حال يقينك ، ولا تعتني بالشكّ».

إذا عرفت ذلك فيبقى أن نعرف على أيّ وجه يصحّ أن يكون التعبير بحرمة نقض اليقين تعبيرا عن ذلك المعنى؟ فإنّ ذلك لا يخلو بحسب التصوّر عن أحد أمور أربعة :

١. أن يكون المراد من «اليقين» المتيقّن على نحو المجاز في الكلمة.

٢. أن يكون النقض أيضا متعلّقا في لسان الدليل بنفس المتيقّن ، ولكن على حذف المضاف.

٣. أن يكون النقض المنهيّ عنه مسندا إلى اليقين على نحو المجاز في الإسناد ، ويكون في الحقيقة مسندا إلى نفس المتيقّن ، والمصحّح لذلك اتّحاد اليقين والمتيقّن ، أو كون اليقين آلة وطريقا إلى المتيقّن. (١)

٤. أن يكون النهي عن نقض اليقين كناية عن لزوم العمل بالمتيقّن ، وإجراء أحكامه ؛ لأنّ ذلك لازم معناه باعتبار أنّ اليقين بالشيء مقتض للعمل به ، فحلّه يلازم رفع اليد عن ذلك الشيء ، أو عن حكمه ؛ إذ لا يبقى حينئذ ما يقتضي العمل به ، فالنهي عن حلّه يلزمه النهي عن ترك مقتضاه ، أعني النهي عن ترك العمل بمتعلّقة. (٢)

وقد عرفت في المقدّمة الأولى ، وفي مناقشة الشيخ قدس‌سره بعد إرادة الوجهين الأوّلين ، فيدور الأمر بين الثالث والرابع ، والرابع هو الأوجه والأقرب ، ولعلّه هو مراد الشيخ الأعظم قدس‌سره ، وإن كان الذي يبدو من بعض تعبيراته إرادة الوجه الأوّل الذي استبعد شيخنا المحقّق

__________________

(١) كما في كفاية الأصول ٤٤٣ ـ ٤٤٥.

(٢) هذا الوجه يظهر من كلمات المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ٣ : ٦٠ ـ ٦١.

۶۸۸۱