استدلّ بعضهم (١) بهذه الرواية على الاستصحاب ، مدّعيا ظهورها فيه.

ولكنّ الذي نراه أنّها غير ظاهرة فيه ؛ فإنّ القدر المسلّم منها أنّها صريحة في أنّ مبدأ حدوث الشكّ بعد حدوث اليقين من أجل كلمة «الفاء» التي تدلّ على الترتيب ، غير أنّ هذا القدر من البيان يصحّ أن يراد منه قاعدة اليقين ، ويصحّ أن يراد منه قاعدة الاستصحاب ؛ إذ يجوز أن يراد أنّ اليقين قد زال بحدوث الشكّ ، فيتّحد زمان متعلّقهما ، فتكون موردا للقاعدة الأولى ، ويجوز أن يراد أنّ اليقين قد بقي إلى زمان الشكّ ، فيختلف زمان متعلّقهما ، فتكون موردا للاستصحاب. وليس في الرواية ظهور في أحدهما بالخصوص (٢) ، وإن قال الشيخ الأنصاريّ قدس‌سره : «إنّها ظاهرة في وحدة زمان متعلّقهما (٣)» ، ولذلك قرّب أن تكون دالّة على قاعدة اليقين (٤). وقال الشيخ الآخوند قدس‌سره : «إنّها ظاهرة في اختلاف زمان متعلّقهما (٥)» ، فقرّب أن تكون دالّة على الاستصحاب. وقد ذكر كلّ منهما تقريبات لما استظهره ، لا نراها

__________________

(١) كالشيخ الأنصاريّ ، والمحقّق الخراسانيّ ، والمحقّقين النائينيّ والعراقيّ. فرائد الأصول ٢ : ٥٧٠ ؛ كفاية الأصول : ٤٥١ ؛ فوائد الأصول ٤ : ٣٦٥ ؛ نهاية الأفكار ٤ «القسم الأوّل» : ٦٣ ـ ٦٥.

وزعم بعضهم ـ ومنهم المصنّف ـ أنّ الشيخ الأنصاريّ ذهب إلى أنّ هذه الرواية تدلّ على قاعدة اليقين ؛ لأنّها صريحة في اختلاف زمان الوصفين ، وظاهرها اتّحاد زمان متعلّقهما.

والتحقيق أنّه وإن استشكل في الرواية بأنّ صريحها اختلاف زمان وصفي اليقين والشكّ ، وظاهرها وحدة زمان المتعلّق ، فتنطبق على قاعدة اليقين ، إلاّ أنّه ذكر في آخر كلامه أنّ الرواية بملاحظة قوله عليه‌السلام : «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» ظاهرة في الاستصحاب.

(٢) لا يخفى أنّ هنا مقدّمة مطويّة يجب التنبّه لها ، وهي أنّ تجرّد كلمة «اليقين» و «الشكّ» في الرواية من ذكر المتعلّق يدلّ على وحدة المتعلّق ، يعني أنّ هذا التجرّد يدلّ على أنّ ما تعلّق به اليقين هو نفس ما تعلّق به الشكّ ، وإلاّ فإنّ من المقطوع به أنّه ليس المراد اليقين بأيّ شيء كان والشكّ بأيّ شيء كان لا يرتبط بالمتيقّن. ولكن كونها دالّة على وحدة المتعلّق لا يجعلها ظاهرة في كونه واحدا في جميع الجهات ، حتى من جهة الزمان ، لتكون ظاهرة في قاعدة اليقين كما قيل. * ـ منه رحمه‌الله ـ

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٥٦٩.

(٤) ولكنه صرّح في آخر كلامه بأنّها ظاهرة في الاستصحاب كما مرّ.

(٥) كفاية الأصول : ٤٥١.

__________________

* والقائل هو المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ٣ : ٩٩.

۶۸۸۱