لهذه الصورة في المتعارضين.

وببيان آخر برهانيّ ، نقول : إنّ المتعارضين لا يخلوان عن حالات أربع : إمّا أن يكونا مقطوعي الدلالة ، مظنوني السند ، أو بالعكس ـ أي يكونان مظنوني الدلالة ، مقطوعي السند ـ ، أو يكون أحدهما مقطوع الدلالة ، مظنون السند ، والآخر بالعكس ، أو يكونا مظنوني الدلالة والسند معا.

أمّا : فرض أحدهما أو كلّ منهما مقطوع الدلالة والسند معا فإنّ ذلك يخرجهما عن كونهما متعارضين ، بل الفرض الثاني مستحيل ـ كما تقدّم ـ (١).

وعليه ، فللمتعارضين أربع حالات ممكنة ، لا غيرها ؛ فإن كانت الأولى ، (٢) فلا مجال فيها للجمع في الدلالة مطلقا ؛ للقطع بدلالة كلّ منهما ، فهو خارج عن مورد القاعدة رأسا ـ كما أشرنا إليه ـ ، بل هما في هذه الحالة إمّا أن يرجع فيهما إلى الترجيحات السنديّة ، أو يتساقطا حيث لا مرجّح ، أو يتخيّر بينهما.

وإن كانت الثانية ، (٣) فإنّه مع القطع بسندهما ، كالمتواترين ، أو الآيتين القرآنيتين لا يعقل طرحهما ، أو طرح أحدهما من ناحية السند ، فلم يبق إلاّ التصرّف فيهما من ناحية الدلالة.

ولا يعقل جريان أصالة الظهور فيهما معا ؛ لتكاذبهما في الظهور. وحينئذ ، فإن كان هناك جمع عرفيّ بينهما ـ بأن يكون أحدهما المعيّن قرينة على الآخر ، أو كلّ منهما قرينة على التصرّف في الآخر على نحو ما يأتي من بيان وجوه الجمع الدلالي ، فإنّ هذا الجمع في الحقيقة يكون هو الظاهر منهما ـ فيدخلان بحسبه في باب الظواهر ، ويتعيّن الأخذ بهذا الظهور.

وإن لم يكن هناك جمع عرفيّ ـ فإنّ الجمع التبرّعيّ لا يجعل لهما ظهورا فيه ليدخل في باب الظواهر ويكون موضعا لبناء العقلاء. ولا دليل في المقام غير بناء العقلاء على الأخذ بالظواهر ـ فما الذي يصحّح الأخذ بهذا التأويل التبرّعيّ ، ويكون دليلا على حجّيّته؟

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ٥٤٥.

(٢) وهي أن يكون المتعارضان مقطوعي الدلالة ، مظنوني السند ، كالخبرين الواحدين كانا مقطوعي الدلالة.

(٣) وهي أن يكونا مظنوني الدلالة ، مقطوعي السند ، كالخبرين المتواترين أو الآيتين.

۶۸۸۱